نتأ والثاني : أن ذلك من جانب وجوههم فتكون رءوسهم على ركبهم ونواصيهم في أصابع أرجلهم مربوطة الوجه الثاني : أنهم يسحبون سحباً فبعضهم يؤخذ بناصيته وبعضهم يجر برجله، والأول أصح وأوضح.
هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣)
والمشهور أن ههنا إضماراً تقديره يقال لهم : هذه جهنم، وقد تقدم مثله في مواضع.
ويحتمل أن يقال : معناه هذه صفة جهنم فأقيم المضاف إليه مقام المضاف ويكون ما تقدم هو المشار إليه، والأقوى أن يقال : الكلام عند النواصي والأقدام قد تم، وقوله :﴿هذه جَهَنَّمُ﴾ لقربها كما يقال هذا زيد قد وصل إذا قرب مكانه، فكأنه قال جهنم التي يكذب بها المجرمون هذه قريبة غير بعيدة عنهم، ويلائمه قوله :﴿يُكَذّبُ﴾ لأن الكلام لو كان بإضمار يقال، لقال تعالى لهم : هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون لأن في هذا الوقت لا يبقى مكذب، وعلى هذا التقدير يضمر فيه : كان يكذب.
يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤)
هو كقوله تعالى :﴿وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَاء كالمهل﴾ [ الكهف : ٢٩ ] وكقوله تعالى :﴿كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَا أُعِيدُواْ فِيهَا﴾ [ السجدة : ٢٠ ] لأنهم يخرجون فيستغيثون فيظهر لهم من بعد شيء مائع هو صديدهم المغلي فيظنونه ماء، فيردون عليه كما يرد العطشان فيقعون ويشربون منه شرب الهيم، فيجدونه أشد حراً فيقطع أمعاءهم، كما أن العطشان إذا وصل إلى ماء مالح لا يبحث عنه ولا يذوقه، وإنما يشربه عباً فيحرق فؤاده ولا يسكن عطشه.
وقوله :﴿حَمِيمٍ﴾ إشارة إلى ما فعل فيه من الإغلاء، وقوله تعالى :﴿ءَانٍ﴾ إشارة إلى ما قبله، وهو كما يقال : قطعته فانقطع فكأنه حمته النار فصار في غاية السخونة وآن الماء إذا انتهى في الحر نهاية.