الأولى : قال في الأوليين :﴿ذَوَاتَا أَفْنَانٍ﴾ وقال في هاتين :﴿مُدْهَامَّتَانِ﴾ أي مخضرتان في غاية الخضرة، وإدهام الشيء أي اسواد لكن لا يستعمل في بعض الأشياء والأرض إذا اخضرت غاية الخضرة تضرب إلى أسود، ويحتمل أن يقال : الأرض الخالية عن الزرع يقال لها : بياض أرض وإذا كانت معمورة يقال لها : سواد أرض كما يقال : سواد البلد، وقال النبي ﷺ :" عليكم بالسواد الأعظم ومن كثر سواد قوم فهو منهم " والتحقيق فيه أن ابتداء الألوان هو البياض وانتهاءها هو السواد، فإن الأبيض يقبل كل لون والأسود لا يقبل شيئاً من الألوان، ولهذا يطلق الكافر على الأسود ولا يطلق على لون آخر، ولما كانت الخالية عن الزرع متصفة بالبياض واللاخالية بالسواد فهذا يدل على أنهما تحت الأوليين مكاناً، فهم إذا نظروا إلى ما فوقهم، يرون الأفنان تظلهم، وإذا نظروا إلى ما تحتهم يرون الأرض مخضرة، وقوله تعالى :﴿فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ﴾ أي فائرتان ماؤهما متحرك إلى جهة فوق، وأما العينان المتقدمتان فتجريان إلى صوب المؤمنين فكلاهما حركتهما إلى جهة مكان أهل الإيمان، وأما قول صاحب "الكشاف" : النضخ دون الجري فغير لازم لجواز أن يكون الجري يسيراً والنضخ قوياً كثيراً، بل المراد أن النضخ فيه الحركة إلى جهة العلو، والعينان في مكان المؤمنين، فحركة الماء تكون إلى جهتهم، فالعينان الأوليان في مكانهم فتكون حركة مائهما إلى صوب المؤمنين جرياً.
فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٦٩)