ما الحكمة في تأخير ذكر اتكائهم عن ذكر نسائهم في هذا الموضع مع أنه تعالى قدم ذكر اتكائهم على ذكر نسائهم في الجنتين المتقدمتين حيث قال :﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ﴾ [ الرحمن : ٥٤ ] ثم قال :﴿قاصرات الطرف﴾ [ الرحمن : ٥٦ ] وقال ههنا :﴿فِيهِنَّ خيرات حِسَانٌ﴾ [ الرحمن : ٧٠ ] ثم قال :﴿مُتَّكِئِينَ﴾ ؟ والجواب عنه من وجهين أحدهما : أن أهل الجنة ليس عليهم تعب وحركة فهم منعمون دائماً لكن الناس في الدنيا على أقسام منهم من يجتمع مع أهله اجتماع مستفيض وعند قضاء وطره يستعمل الاغتسال والانتشار في الأرض للكسب، ومنهم من يكون متردداً في طلب الكسب وعند تحصيله يرجع إلى أهله ويريح قلبه من التعب قبل قضاء الوطر فيكون التعب لازماً قبل قضاء الوطر أو بعده فالله تعالى قال في بيان أهل الجنة : متكئين قبل الاجتماع بأهلهم وبعد الاجتماع كذلك، ليعلم أنهم دائم على السكون فلا تعب لهم لا قبل الاجتماع ولا بعد الاجتماع وثانيهما : هو أنا بينا في الوجهين المتقدمين أن الجنتين المتقدمتين لأهل الجنة الذين جاهدوا والمتأخرين لذرياتهم الذين ألحقوا بهم، فهم فيهما وأهلهم في الخيام منتظرات قدوم أزواجهن، فإذا دخل المؤمن جنته التي هي سكناه يتكىء على الفرش وتنتقل إليه أزواجه الحسان، فكونهن في الجنتين المتقدمتين بعد اتكائهم على الفرش، وأما كونهم في الجنتين المتأخرتين فذلك حاصل في يومنا، واتكاء المؤمن غير حاصل في يومنا، فقدم ذكر كونهن فيهن هنا وأخره هناك.
و﴿مُتَّكِئِينَ﴾ حال والعامل فيه ما دل عليه قوله :﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ﴾ [ الرحمن : ٧٤ ] وذلك في قوة الاستثناء كأنه قال : لم يطمثهن إلا المؤمنون فإنهم يطمثوهن متكئين وما ذكرنا من قبل في قوله تعالى :﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ﴾ [ الرحمن : ٥٤ ] يقال هنا.
المسألة الثانية :


الصفحة التالية