ولما كان ما ذكر لا تكمل لذته إلا بالأنيس، وكان قد ورد أنه يكون في بعض ثمار الجنة وحمل أشجارها نساء وولدان كما أن أمثال ذلك في بطن مياه الدنيا ﴿وجعلنا من الماء كل شيء حي﴾ [ الأنبياء : ٣٠ ] قال جامعاً على نحو ما مضى من الإشارة إلى أن الجنتين لكل واحد من أفراد هذا الصنف :﴿فيهن﴾ أي الجنان الأربع أو الجنان التي خصت للنساء، وجوز ابن برجان أن يكون الضمير للفاكهة والنخل والرمان فإنه يتكون منها نساء وولدان في داخل قشر الرمان ونحوه ﴿خيرات﴾ أي نساء بليغ ما فيهن من الخير، أصله خير مثقلاً لأن " خير " الذي للتفضيل لا يجمع جمع سلامة، ولعله خفف لاتصافهن بالخفة في وجودهن وجميع شأنهن، ولكون هاتين الجنتين دون ما قبلهما ﴿حسان﴾ أي في غاية الجمال خلقاً وخلقاً ﴿فبأيِّ آلاء ربكما﴾ أي نعم الكامل الإحسان إليكما ﴿تكذبان﴾ أبنعمة الذوق من جهة اليسار أمن من غيرها ممن جعله مثالاً لتكوين النساء والولدان والملابس والحلي من ثمار الأشجار والزروع التي من المياه التي بها العيش، ففيها التوليد وغير ذلك مما تظهره الفكرة لأهل العبرة لأن كل ما في الجنة ينشأ عن الكلمة من الرزق كما ينشأ عنه سبحانه في هذه الدار على تسبيب.
والحكمة، ثم بينهن بقوله :﴿حور﴾ أي ذوات أعين شديدة سواد السواد وشديدة بياض البياض، وقال ابن جرير : بيض جمع ﴿مقصورات﴾ أي على أزواجهن ومحبوسات، صيانة عن التبذل، فهو كناية عن عظمتهن ﴿في الخيام﴾ التي هي من الدر المجوف الشفاف جزاء لمن قصر نفسه عن.
الله فكف جوارحه عن الزلات، وصان قلبه عن الغفلات ﴿فبأيِّ آلاء ربكما﴾ أي الجليل الإحسان إليكما ﴿تكذبان﴾ أبنعمة الذوق من جهة الفوق أم بغيرها مما جعله مثالاً لهذا في الدنيا، فإنه كما خلقنا من تراب ثم طورنا في أطوار الخلقة بحسب حكمة الأسباب كذلك خلق أولئك من أرض الجنة ورياضها وفواكهها عن كلمة السكان من غير أسباب.