والمركب الكيماوى قد تظهر له صفات مضادة للمفردات التى تألف منها، فالماء مثلا نشربه لنرتوى به ونذهب عطشنا! على حين نرى عنصريه اللذين تكون منهما أقرب إلى الإحراق منهما إلى الإرواء!
نحن نبصر فى الحدائق والحقول آيات النضارة والنماء، ولا نبصر ما يتم بعد قليل من مظاهر التلاشى والاحتراق، وكذلك تتعاقب الأضداد، وما أيسر ذلك على القدرة الإلهية "تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب". والأخشاب والأحطاب التى تتحول إلى تراب، يتحول ترابها مرة أخرى إلى سماد لأنواع النبات، كما يتحول النبات الذى نطعمه إلى خلايا حية فى أجسامنا! والواقع أن الإنسانية كلها أمام موعدين: أحدهما قريب متعجل، والآخر متراخ متمهل. إنها أمام الموت الذى لا يطول غيابه، ولابد لكل امرئ أن يذوقه، ثم هى أمام الساعة التى لابد منها وإن طالت الأيام "هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون" " ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد ". والتكرار المتعمد لذكر القيامة ليس تهديدا للحضارات أو وقفا للعمران البشرى ـ كما فهم القاصرون ـ وإنما هو لكسر الغرور ومنع التطلعات الطائشة. والبشر مازالوا بحاجة ملحة إلى تذكر يوم القيامة، فإن هذا التذكر يهذب غرائزهم ويكفكف أطماعهم. والعقل العادى إذا علم أن هذا اليوم حق لم يؤثر قليلا على كثير، ولا فانيا على باق، ولم يزهد فى جزاء الآخرة كما هو مسلك الحضارة المعاصرة! إن العلم الحديث ربما نجح فى استكشاف بعض أسرار المادة وقوى الكون، فما دلالة ذلك وما جدواه؟ إنه لا يلغى حكمة الوجود ولا رسالة الأحياء على ظهر الأرض، تلك الرسالة التى لخصها القرآن الكريم فى هذه الكلمات "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور". بل إن ميدان الاختبار الإلهى يتسع ويعمق بقدر ما انفتح على


الصفحة التالية
Icon