واعلم أن لفظة (خلد) كما تدل على البقاء والدوام حقيقة تدل على التسوّر، أي لبس السوار باليد والقرط بالأذان، وعليه يكون المعنى مسورون مقرطون، ولو أراد اللّه تعالى معنى البقاء والدوام لقال خالدين كما قال في أهل الجنة ولا تجد في القرآن كله مخلّدين غير هذه، ولهذا أقول واللّه أعلم إن المراد بمخلدين المعنى الأخير، لأن الخادم إذا كان مزينا بالحلي يكون أنضر بعين المخدوم، ولهذا تجد أهل الدنيا يزينون عبيدهم بأحسن اللباس والسلاح المذهب، ولم يصف الحور العين بالتخليد لأن حسنهن أغناهن عنه، والغانية من اكتفت بحسنها عن التزين بالحلي، أي أنهم ليسوا كالحور العين من هذه الحيثية، وما قيل إن الولدان أطفال المؤمنين لا يتجه لأن اللّه تعالى قال :(أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) الآية ٢١ من سورة الطور الآتية في ج ٢، فذراري المؤمنين مع آبائهم في الجنة يخدمون، وهذا حكم اللّه فيهم ولا راد لحكمه، وما قيل إنهم أولاد الكفار الذين ماتوا قبل سن التكليف لا يصح أيضا، وقد اختلفت أقوال العلماء فيهم، فمنهم من قال إنهم في الجنة وهو الأقرب، لأن اللّه تعالى لا يعذب قبل التكليف، وإذ لم يعذبوا فهم ناجون، والناجون من أهل الجنة، لأن الأمر يدور بين الجنة والنار، فمن زحزح عن النار فقد دخل الجنة، راجع الآية ٤٥ من سورة الأعراف المارة، ولهذا البحث صلة في الآية ١٨٤ من آل عمران في ج ٣، ما لم يكونوا من الذين سبق ذكرهم في تفسير الآية الأخيرة من سورة طه المارة، ومنهم من قال إنهم من أهل النار تبعا لآبائهم وهو بعيد، لأن اللّه أكبر من أن يعذب من لم يكلفه، وهم لم يبلغوا حد التكليف كيف وقد قال :(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) الآية ٢٧ من سورة والنجم المارة وقوله تعالى :(وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) الآية ١٥ من سورة الإسراء الآتية، وإذا كان من لم تبلغه الدعوة والمجنون


الصفحة التالية
Icon