و ما تتقون به شدة الحر المنوه عنه بقوله "أَ فَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ" ٧١ تقدحون لها الزناد فتتقّد فتستضيؤن بها وتنضجون طعامكم عليها "أَ أَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها" التي توقد منها أو شجر المرخ والعقار المار ذكره في الآية ٨٠ من سورة يس المارة "أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ" ٧٢ لها بل نحن أنشأنا شجرها لنفعكم و"نَحْنُ جَعَلْناها" أي تلك النار لكم في الدنيا "تَذْكِرَةً" لنار الآخرة الكبرى ليتعظ بها من له عقل كلما رآها، فيذكر عذابها ويرتدع عما نهي عنه، ولذلك عممنا الحاجة إليها "وَ" جعلناها "مَتاعاً لِلْمُقْوِينَ" ٧٣ المسافرين والفقراء الذين ينزلون (القواء) الأرض القفرة وللأغنياء المقيمين أيضا، إذ لا غنى لأحد عنها، إلا أن المسافر أشد حاجة لها من غيره، لأنه بوقدها للتدفئة ولهروب الهوام عنه لأنها لا تقربه ما دامت النار عنده خشية منها، وإلا افترسته حالا وفيها منفعة أخرى وهي اهتداء الضال بها والاستضاءة بها ليلا وللطبخ والخبز، وتسخين الماء ليلا ونهارا، وكونها تذكرة لنار الآخرة لا يقتضى أن تكون مثلها وقد ذكرنا في الآية ١٣٥ من سورة طه المارة أن المشبه لا يكون كالمشبه به من كل وجه.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : ناركم هذه الذي توقدون جزء من ستين جزءا من نار جهنم، قالوا واللّه إن كانت لكافية يا رسول اللّه، قال فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلها مثل حرها.
أعاذنا اللّه منها ولو أن نارنا هذه مثل تلك لما انتفعنا بها أبدا، لأن أجسامنا هذه لا تطيق مقابلتها، ولأن ما يوضع عليها للنضج يحرق حالا، لأنها تذيب الحديد وتفتت الحجارة حالا، ولكانت نقمة علينا لا نعمة لنا.
ثم التفت جل شأنه إلى حبيبه صلى اللّه عليه وسلم وقال له "فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ"