﴿إِذَا وَقَعَتِ الواقعة﴾ يحتمل أن تكون الواقعة صفة لمحذوف وهي القيامة أو الزلزلة على ما بينا، ويحتمل أن يكون المحذوف شيئاً غير معين، وتكون تاء التأنيث مشيرة إلى شدة الأمر الواقع وهوله، كما يقال : كانت الكائنة والمراد كان الأمر كائناً ما كان، وقولنا : الأمر كائن لا يفيد إلا حدوث أمر ولو كان يسيراً بالنسبة إلى قوله : كانت الكائنة، إذ في الكائنة وصف زائد على نفس كونه شيئاً، ولنبين هذا ببيان كون الهاء للمبالغة في قولهم : فلان راوية ونسابة، وهو أنهم إذا أرادوا أن يأتوا بالمبالغة في كونه راوياً كان لهم أن يأتوا بوصف بعد الخبر ويقولون : فلان راو جيد أو حسن أو فاضل، فعدلوا عن التطويل إلى الإيجاز مع زيادة فائدة، فقالوا : نأتي بحرف نيابة عن كلمة كما أتينا بهاء التأنيث حيث قلنا : ظالمة بدل قول القائل : ظالم أنثى، ولهذا لزمهم بيان الأنثى عند مالا يمكن بيانها بالهاء في قولهم شاة أنثى وكالكتابة في الجمع حيث قلنا : قالوا بدلاً عن قول القائل : قال وقال وقال، وقالا بدلاً عن قوله : قال وقال فكذلك في المبالغة أرادوا أن يأتوا بحرف يغني عن كلمة والحرف الدال على الزيادة ينبغي أن يكون في الآخر، لأن الزيادة بعد أصل الشيء، فوضعوا الهاء عند عدم كونها للتأنيث والتوحيد في اللفظ المفرد لا في الجمع للمبالغة إذا ثبت هذا فنقول : في كانت الكائنة ووقعت الواقعة حصل هذا معنى لا لفظاً، أما معنى فلأنهم قصدوا بقولهم : كانت الكائنة أن الكائن زائد على أصل ما يكون، وأما لفظاً فلأن الهاء لو كانت للمبالغة لما جاز إثبات ضمير المؤنث في الفعل، بل كان ينبغي أن يقولوا : كان الكائنة ووقع الواقعة، ولا يمكن ذلك لأنا نقول : المراد به المبالغة.
المسألة الثالثة :


الصفحة التالية
Icon