ولما كان ذلك ملازماً للاستغراق في الزمان بميل الطباع، نزع الجار فقال :﴿قبل ذلك﴾ أي الأمر العظيم الذي وصلوا إليه ﴿مترفين﴾ أي في سعة من العيش منهمكين في الشهوات مستمتعين بها متمكنين فيها لترامي طباعهم إليها فأعقبهم ما في جبلاتهم من الإخلاد إلى الترف عدم الاعتبار والاتعاظ في الدنيا والتكبر على الدعاة إلى الله، وفي الآخرة شدة الألم لرقة أجسامهم المهيأة للترف بتعودها بالراحة بإخلادها إليها وتعويلها عليها ﴿وكانوا﴾ أي مع الترف ﴿يصرون﴾ أي يقيمون ويدومون على سبيل التجديد مما لهم من الميل الجبلي إلى ذلك ﴿على الحنث﴾ أي الذنب، ومنه قولهم : بلغ الغلام الحنث، أي الحلم الذي هو وقت المؤاخذة بالذنب، ويطلق الحنث على الكذب والميل إلى الأباطيل واليمين الغموس ونقض العهد المؤكد.
ولما كان ذلك قد يكون من المعهود مما يغتفر بكونه صغيراً أو في وقت يسير قال :﴿العظيم﴾ دالاًّ على أنهم يستهينون العظائم من القبائح والفواحش.
ولما وصفهم بالترف والإصرار على السرف، وكان ذلك يلازم البطالة، وكان يلزم عنها الغباوة والفساد الموجب للشقاوة، ذكر إنكارهم لما لا أبين منه، فقال عاطفاً على ما أفهمه التعبير عن الإثم بالحنث من نحو : فكانوا يقسمون بالله جهد أيمانهم أنهم لا يبعثون وأن الرسل كاذبون :﴿وكانوا يقولون﴾ أي إنكاراً مجددين لذلك دائماً جلافة أو عناداً :﴿أئذاً﴾ أي أنبعث إذاً، وحذف العامل لدلالة ﴿مبعوثون﴾ عليه، ولا يعمل هو لأن الاستفهام وحرف التأكيد اللذين لهما الصدر معناه ﴿متنا﴾ أي فلم يبق في رد أرواحنا طب بوجه ﴿وكنا﴾ أي كوناً ثابتاً ﴿تراباً وعظاماً﴾ ولما كان استفهامهم هذا لإنكار أن يكون في شيء من إقامة أبدانهم أو رد أرواحهم طب، أعاد الاستفهام تاكيداً لإنكارهم فقال :﴿أءِنا لمبعوثون﴾ أي كائن وثابت بعثنا ساعة من الدهر، وأكدوا ليكون إنكارهم لما دون المؤكد بطريق الأولى.