ما الحكمة في اختيار لفظ ﴿المشئمة﴾ في مقابلة ﴿الميمنة﴾، مع أنه قال في بيان أحوالهم :﴿وأصحاب الشمال مَا أصحاب الشمال﴾ ؟ نقول : اليمين وضع للجانب المعروف أولاً ثم تفاءلوا به واستعملوا منه ألفاظاً في مواضع وقالوا : هذا ميمون وقالوا : أيمن به ووضعوا للجانب المقابل له اليسار من الشيء اليسير إشارة إلى ضعفه، فصار في مقابلة اليمين كيفما يدور فيقال : في مقابلة اليمنى اليسرى، وفي مقابلة الأيمن الأيسر، وفي مقابلة الميمنة الميسرة، ولا تستعمل الشمال كما تستعمل اليمين، فلا يقال : الأشمل ولا المشملة، وتستعمل المشأمة كما تستعمل الميمنة، فلا يقال : في مقابلة اليمين لفظ من باب الشؤم، وأما الشآم فليس في مقابلة اليمين بل في مقابلة يمان، إذا علم هذا فنقول : بعد ما قالوا باليمين لم يتركوه واقتصروا على استعمال لفظ اليمين في الجانب المعروف من الآدمي، ولفظ الشمال في مقابلته وحدث لهم لفظان آخران فيه أحدهما : الشمال وذلك لأنهم نظروا إلى الكواكب من السماء وجعلوا ممرها وجه الإنسان وجعلوا السماء جانبين وجعلوا أحدهما أقوى كما رأوا في الإنسان، فسموا الأقوى بالجنوب لقوة الجانب كما يقال : غضوب ورءوف، ثم رأوا في مقابلة الجنوب جانباً آخر شمل ذلك الجانب عمارة العالم فسموه شمالاً واللفظ الآخر : المشأمة والأشأم في مقابلة الميمنة والأيمن، وذلك لأنهم لما أخذوا من اليمين اليمن وغيره للتفاؤل وضعوا الشؤم في مقابلته لا في أعضائهم وجوانبهم تكرهاً لجعل جانب من جوانب نفسه شؤماً، ولما وضعوا ذلك واستمر الأمر عليه نقلوا اليمين من الجانب إلى غيره، فالله تعالى ذكر الكفار بلفظين مختلفين فقال :﴿وأصحاب المشئمة ﴾
﴿وأصحاب الشمال﴾ [ الواقعة : ٤١ ] وترك لفظ الميسرة واليسار الدال على هون الأمر، فقال ههنا :﴿وأصحاب المشئمة﴾ بأفظع الاسمين، ولهذا قالوا في العساكر : الميمنة والميسرة اجتناباً من لفظ الشؤم.