أنا أبو النجم وشعري شعري.. وفيه وجهان أحدهما : أن يكون لشهرة أمر المبتدأ بما هو عليه فلا حاجة إلى الخبر عنه وهو مراد الشاعر وهو المشهور عند النحاة والثاني : للإشارة إلى أن في المبتدأ مالا يحيط العلم به ولا يخبر عنه ولا يعرف منه إلا نفس المبتدأ، وهو كمايقول القائل لغيره أخبرني عن حال الملك فيقول : لا أعرف من الملك إلا أنه ملك فقوله :﴿والسابقون السابقون﴾ أي لا يمكن الإخبار عنهم إلا بنفسهم فإن حالهم وما هم عليه فوق أن يحيط به علم البشر وههنا لطيفة : وهي أنه في أصحاب الميمنة قال :﴿مَا أصحاب الميمنة﴾ [ الواقعة : ٨ ] بالاستفهام وإن كان للإعجاز لكن جعلهم مورد الاستفهام وههنا لم يقل : والسابقون ما السابقون، لأن الاستفهام الذي للإعجاز يورد على مدعي العلم فيقال له : إن كنت تعلم فبين الكلام وأما إذا كان يعترف بالجهل فلا يقال له : كذبت ولا يقال : كيف كذا، وما الجواب عن ذلك، فكذلك في :﴿والسابقون﴾ ما جعلهم بحيث يدعون، فيورد عليهم الاستفهام فيبين عجزهم بل بنى الأمر على أنهم معترفون في الابتداء بالعجز، وعلى هذا فقوله تعالى :﴿والسابقون السابقون﴾ كقول العالم : لمن سأل عن مسألة معضلة وهو يعلم أنه لا يفهمها وإن كان أبانها غاية الإبانة أن الأمر فيها على ما هو عليه ولا يشتغل بالبيان وثالثها : هو أن السابقون ثانياً تأكيد لقوله :﴿والسابقون﴾ والوجه الأوسط هو الأعدل الأصح، وعلى الوجه الأوسط قول آخر : وهو أن المراد منه أن السابقين إلى الخيرات في الدنيا هم السابقون إلى الجنة في العقبى.
المسألة الثانية :


الصفحة التالية
Icon