﴿الأولين﴾ من هم ؟ نقول : المشهور أنهم من كان قبل نبينا ﷺ وإنما قال :﴿ثُلَّةٌ﴾ والثلة الجماعة العظيمة، لأن من قبل نبينا من الرسل والأنبياء من كان من كبار أصحابهم إذا جمعوا يكونون أكثر بكثير من السابقين من أمة محمد ﷺ، وعلى هذا قيل : إن الصحابة لما نزلت هذه الآية صعب عليهم قلتهم، فنزل بعده :﴿ثُلَّةٌ مّنَ الأولين﴾ [ الواقعة : ١٣ ]، ﴿وَثُلَّةٌ مّنَ الآخرين﴾ [ الواقعة : ٤٠ ] هذا في غاية الضعف من وجوه أحدها : أن عدد أمة محمد ﷺ إذا كان في ذلك الزمان بل إلى آخر الزمان، بالنسبة إلى من مضى في غاية القلة فماذا كان عليهم من إنعام الله على خلق كثير من الأولين وما هذا إلا خلف غير جائز وثانيها : أن هذا كالنسخ في الأخبار وأنه في غاية البعد ثالثها : ما ورد بعدها لا يرفع هذا لأن الثلة من الأولين هنا في السابقين من الأولين وهذا ظاهر لأن أمة محمد ﷺ كثروا ورحمهم الله تعالى فعفا عنهم أموراً لم تعف عن غيرهم، وجعل للنبي ﷺ الشفاعة فكثر عدد الناجين وهم أصحاب اليمين، وأما من لم يأثم ولم يرتكب الكبيرة من أمة محمد ﷺ فهم في غاية القلة وهم السابقون ورابعها : هذا توهم وكان ينبغي أن يفرحوا بهذه الآية لأنه تعالى لما قال :﴿ثُلَّةٌ مّنَ الأولين﴾ دخل فيهم الأول من الرسل والأنبياء، ولا نبي بعد محمد ﷺ، فإذا جعل قليلاً من أمته مع الرسل والأنبياء والأولياء الذين كانوا في درجة واحدة، يكون ذلك إنعاماً في حقهم ولعله إشارة إلى قوله عليه الصلاة والسلام :" علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل " الوجه الثاني : المراد منه :﴿السابقون الأولون مِنَ المهاجرين والأنصار﴾ [ التوبة : ١٠٠ ] فإن أكثرهم لهم الدرجة العليا، لقوله تعالى :﴿لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ﴾ [ الحديد : ١٠ ] الآية.


الصفحة التالية
Icon