قوله تعالى :﴿وَلاَ يُنزِفُونَ﴾ تقدم تفسيره في الصافات والذي يحسن ذكره هنا أن نقول : إن كان معنى ﴿لا يُنزِفُونَ﴾ لا يسكرون، فنقول : إما أن نقول معنى :﴿لاَّ يُصَدَّعُونَ﴾ أنهم لا يصيبهم الصداع، وإما أنهم لا يفقدون، فإن قلنا : بالقول الأول فالترتيب في غاية الحسن لأنه على طريقة الارتقاء، فإن قوله تعالى :﴿لاَّ يُصَدَّعُونَ﴾ معناه لا يصيبهم الصداع لكن هذا لا ينفي السكر فقال : بعده ولا يورث السكر، كقول القائل : ليس فيه مفسدة كثيرة، ثم يقول : ولا قليلة، تتميماً للبيان، ولو عكست الترتيب لا يكون حسناً، وإن قلنا :﴿لا يُنزِفُونَ﴾ لا يفقدون فالترتيب أيضاً كذلك لأن قولنا :﴿لاَّ يُصَدَّعُونَ﴾ أي لا يفقدونه ومع كثرته ودوام شربه لا يسكرون فإن عدم السكر لنفاد الشراب ليس بعجب، لكن عدم سكرهم مع أنهم مستديمون للشراب عجيب وإن قلنا :﴿لا يُنزِفُونَ﴾ بمعنى لا ينفد شرابهم كما بينا هناك.
فنقول : أيضاً إن كان لا يصدعون بمعنى لا يصيبهم صداع فالترتيب في غاية الحسن، وذلك لأن قوله :﴿لاَّ يُصَدَّعُونَ﴾ لا يكون بيان أمر عجيب إن كان شرابهم قليلاً فقال :﴿لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا﴾ مع أنهم لا يفقدون الشراب ولا ينزفون الشراب، وإن كان بمعنى لا ينزفون عنها فالترتيب حسن لأن معناه لا ينزفون عنها بمعنى لا يخرجون عما هم فيه ولا يؤخذ منهم ما أعطوا من الشراب، ثم إذا أفنوها بالشراب يعطون.
وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١)
وفيه مسائل :
المسألة الأولى :