هل في تخصيص التخيير بالفاكهة والاشتهاء باللحم بلاغة ؟ قلت : وكيف لا وفي كل حرف من حروف القرآن بلاغة وفصاحة، وإن كان لا يحيط بها ذهني الكليل، ولا يصل إليها علمي القليل، والذي يظهر لي فيه أن اللحم والفاكهة إذا حضرا عند الجائع تميل نفسه إلى اللحم، وإذا حضرا عند الشبعان تميل إلى الفاكهة، والجائع مشته والشبعان غير مشته، وإنما هو مختار إن أراد أكل، وإن لم يرد لا يأكل، ولا يقال في الجائع إن أراد أكل لأن أن لا تدخل إلا على المشكوك، إذا علم هذا ثبت أن في الدنيا اللحم عند المشتهي مختار والفاكهة عند غير المشتهى مختارة وحكاية الجنة على ما يفهم في الدنيا فِخص اللحم بالاشتهاء والفاكهة بالاختيار، والتحقيق فيه من حيث اللفظ أن الاختيار هو أخذ الخير من أمرين والأمران اللذان يقع فيهما الاختيار في الظاهر لا يكون للمختار أو لا ميل إلى أحدهما، ثم يتفكر ويتروى، ويأخذ ما يغلبه نظره على الآخر فالتفكه هو ما يكون عند عدم الحاجة، وأما إن اشتهى واحد فاكهة بعينها فاستحضرها وأكلها فهو ليس بمتفكه وإنما هو دافع حاجة، وأما فواكه الجنة تكون أولاً عند أصحاب الجنة من غير سبق ميل منهم إليها ثم يتفكهون بها على حسب اختيارهم، وأما اللحم فتميل أنفسهم إليه أدنى ميل فيحضر عندهم، وميل النفس إلى المأكول شهوة، ويدل على هذا قوله تعالى :﴿قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ﴾ [ الحاقة : ٢٣ ] وقوله :﴿وَجَنَى الجنتين دَانٍ﴾ [ الرحامن : ٥٤ ] وقوله تعالى :﴿وفاكهة كَثِيرَةٍ * لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ﴾ [ الواقعة : ٣٢، ٣٣ ] فهو دليل على أنها دائمة الحضور، وأما اللحم فالمروي أن الطائر يطير فتميل نفس المؤمن إلى لحمه فينزل مشوياً ومقلياً على حسب ما يشتهيه، فالحاصل أن الفاكهة تحضر عندهم فيتخير المؤمن بعد الحضور واللحم يطلبه المؤمن وتميل نفسه إليه أدنى ميل، وذلك لأن الفاكهة تلذ الأعين بحضورها، واللحم لا تلذ الأعين