ولما كان كأنه قيل : هذا عذابهم كله، قيل تهكماً بهم ونكاية لهم :﴿هذا نزلهم﴾ أي ما يعد لهم أول قدومهم مكان ما يعد للضيف أول حلوله كرامة له ﴿يوم الدين﴾ أي الجزاء الذي هو حكمة القيامة، وإذا كان هذا نزلهم فما ظنك بما يأتي بعده على طريق من يعتني به فما ظنك بما يكون لمن هو أغنى منهم من المعاندين وهو في طريق التهكم مثل قول أبي الشعراء الضبي :
وكنا إذا الجبار بالسيف ضافنا...
جعلنا القنا والمرهفات له نزلا
ولما ذكر الواقعة وما يكون فيها للأصناف الثلاثة، وختم بها على وجه بين فيه حكمتها وكانوا ينكرونها، دل عليه بقوله :﴿نحن﴾ أي لا غيرنا ﴿خلقناكم﴾ أي بما لنا من العظمة، ولعل هذا الخطاب للدهرية المعطلة من العرب.
ولما كانوا منكرين للبعث عدوا منكرين للابتداء وإن كانوا من المخلصة بالمقريب بالخلق لأنهما لما بينهما من الملازمة لا انفكاك لأحدهما عن الآخر فقال :﴿فلولا﴾ أي فتسبب عن ذلك أن يقال تهديداً ووعيداً : هلا ولم لا ﴿تصدقون﴾ أي بالخلق الذي شاهدتموه ولا منازع لنا فيما فيه فتصدقوا بما لا يفرق بينه وبينه إلا بأن يكون أحق منه في مجاري عاداتكم، وهو الإعادة فتعملوا عمل العبيد لساداتهم ليكون حالكم حال مصدق بأنه مربوب. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٧ صـ ٤١٣ ـ ٤١٥﴾


الصفحة التالية
Icon