كيف أضاف الحق إلى اليقين مع أنهما بمعنى واحد ؟ نقول : فيه وجوه أحدها : هذه الإضافة، كما أضاف الجانب إلى الغربي في قوله :﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربى﴾ [ القصص : ٤٤ ] وأضاف الدار إلى الآخرة في قوله :﴿وَلَدَارُ الأخرة﴾ [ الأنعام : ٣٢ ] غير أن المقدر هنا غير ظاهر، فإن شرط ذلك أن يكون بحيث يوصف باليقين، ويضاف إليه الحق، وما يوصف باليقين بعد إضافة الحق إليه وثانيها : أنه من الإضافة التي بمعنى من، كما يقال : باب من ساج، وباب ساج، وخاتم من فضة، وخاتم فضة، فكأنه قال : لهو الحق من اليقين ثالثها : وهو أقرب منها ما ذكره ابن عطية أن ذلك نوع تأكيد يقال : هذا من حق الحق، وصواب الصواب، أي غايته ونهايته التي لا وصول فوقه، والذي وقع في تقرير هذا أن الإنسان أظهر ما عنده الأنوار المدركة بالحس، وتلك الأنوار أكثرها مشوبة بغيرها، فإذا وصل الطالب إلى أوله يقول : وجدت أمر كذا، ثم إنه مع صحة إطلاق اللفظ عليه لا يتميز عن غيره، فيتوسط الطالب ويأخذ مطلوبه من وسطه، مثاله من يطلب الماء، ثم يصل إلى بركة عظيمة، فإذا أخذ من طرفه شيئاً يقول : هو ماء، وربما يقول قائل آخر : هذا ليس بماء، وإنما هو طين، وأما الماء ما أخذته من وسط البركة، فالذي في طرف البركة ماء بالنسبة إلى أجسام أخرى، ثم إذا نسب إلى الماء الصافي ربما يقال له شيء آخر، فإذا قال : هذا هو الماء حقاً قد أكد، وله أن يقول : حق الماء، أي الماء حقاً هذا بحيث لا يقول أحد فيه شيء، فكذلك ههنا كأنه قال : هذا هو اليقين حقاً لا اليقين الذي يقول بعض إنه ليس بيقين، ويحتمل وجهاً آخر، وهو أن يقال : الإضافة على حقيقتها، ومعناه أن هذا القول لك يا محمد وللمؤمنين، وحق اليقين أن تقول كذا، ويقرب من هذا ما يقال : حق الكمال أن يصلي المؤمن، وهذا كما قيل في قوله ﷺ :" أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله،