والصواب أن يقال : إن الإنشاء عمَّهُنَّ كُلَّهن، فالحُور أُنشئن ابتداءً، والمؤمنات أُنشئن بالإعادة وتغيير الصفات ؛ وقد روى أنس بن مالك عن النبي ﷺ أنه قال :" إِنَّ من المنشَآت اللاّتي كُنَّ في الدنيا عجائزَ عُمْشاً رُمْصاً ".
قوله تعالى :﴿ فَجَعَلْناهُنَّ أبْكاراً ﴾ أي : عذارى.
وقال ابن عباس : لا يأتيها زوجها إِلاّ وجدها بِكْراً.
قوله تعالى :﴿ عُرُباً ﴾ قرأ الجمهور : بضم الراء.
وقرأ حمزة، وخلف : بإسكان الراء ؛ قال ابن جرير : هي لغة تميم وبكر.
وللمفسرين في معنى "عُرُباً" خمسة أقوال.
أحدها : أنهن المتحبِّبات إلى أزواجهن، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، وابن قتيبة، والزجاج.
والثاني : أنهن العواشق، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وقتادة، ومقاتل، والمبرّد ؛ وعن مجاهد كالقولين.
والثالث : الحسنة التبعُّل، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال أبو عبيدة.
والرابع : الغَنِجات، قاله عكرمة.
والخامسة : الحسنة الكلام، قاله ابن زيد.
فأمّا الأتراب فقد ذكرناهن في [ ص : ٥٢ ].
قوله تعالى :﴿ ثُلَّةٌ من الأوَّلين، وثُلَّةٌ من الآخِرِينَ ﴾ هذا من نعت أصحاب اليمين.
وفي الأولين والآخرين خلاف، وقد سبق شرحه [ الواقعة : ١٣ ] وقد زعم مقاتل أنه لمّا نزلت الآية الأولى، وهي قوله :"وقليلٌ من الآخِرِين" وجد المؤمنون من ذلك وَجْداً شديداً حتى أُنزلت "وثُلَّةٌ من الآخِرِين" فنسختهْا.
وروي عن عروة بن رُويم نحو هذا المعنى.
قلت : وادِّعاء النَّسخ هاهنا لا وجه له لثلاثة أوجه.
أحدها : أن علماء الناسخ والمنسوخ لم يوافقوا على هذا.
والثاني : أن الكلام في الآيتين خبر، والخبر لا يدخله النسخ، [ فهو هاهنا لا وجه له ].
والثالث : أن الثُّلَّة بمعنى الفِرْقة والفئة ؛ قال الزجاج : اشتقاقهما من القِطعة، والثَّلُّ : الكسر والقطع.


الصفحة التالية
Icon