والثاني : أن من قَدَر على خَلْق ما شاهدتموه من أصل وجودكم كان أقدَرَ على خَلْق ما غاب عنكم من إعادتكم.
قوله تعالى :﴿ نحن قَدّرْنا بينَكم المَوْتَ ﴾ وقرأ ابن كثير :"قَدَرْنا" بتخفيف الدال.
وفي معنى الكلام قولان.
أحدهما : قضينا عليكم بالموت.
والثاني : سوّينا بينكم في الموت ﴿ وما نحن بمسبوقين، على أن نبدِّل أمثالكم ﴾ قال الزجاج : المعنى : إن أردنا أن نخلُق خَلْقاً غيركم لم يسبقنا سابق، ولا يفوتنا ذلك.
وقال ابن قتيبة : لسنا مغلوبين على أن نَستبدل بكم أمثالكم.
قوله تعالى :﴿ ونُنْشِئكم في ما لا تعلمون ﴾ وفيه أربعة أقوال.
أحدها : نبدِّل صفاتكم ونجعلكم قردة وخنازير كما فعلنا بمن كان قبلكم، قاله الحسن.
والثاني : ننشئكم في حواصل طير سود تكون ب "برهوت" كأنها الخطاطيف، قاله سعيد بن المسيب.
والثالث : نخلقكم في أيّ خَلْق شئنا، قاله مجاهد.
والرابع : نخلقكم في سوى خلقكم، قاله السدي.
قال مقاتل : نخلقكم سوى خلقكم في مالا تعلمون من الصور.
قوله تعالى :﴿ ولقد عَلِمْتم النَّشْأة الأُولى ﴾ وهي ابتداء خَلقكم من نُطفة وعَلَقة ﴿ فلولا تَذَكَّرونَ ﴾ أي : فهلاّ تَعتبِرون فتعلموا قُدرة الله فتُقِرُّوا بالبعث.
﴿ أفرأيتم ما تحرُثونَ ﴾ أي : ما تعملون في الأرض من إثارتها، وإلقاء البذور فيها، ﴿ أأنتم تزرعونه ﴾ أي : تُنبِتونه؟! وقد نبَّه هذا الكلام على أشياء منها إحياء الموتى، ومنها الامتنان بإخراج القُوت، ومنها القدرة العظيمة الدالة على التوحيد.
قوله تعالى :﴿ لجَعَلْناه ﴾ يعني الزرع ﴿ حُطاماً ﴾ قال عطاء : تبناً لا قمح فيه.
وقال الزجاج : أبطلْناه حتى يكون محتطماً لا حنطة فيه، ولا شيء.
قوله تعالى :﴿ فظَلْتُم ﴾ وقرأ الشعبي، وابو العالية، وابن أبي عبلة :"فظِلْتُم" بكسر الظاء ؛ وقد بيناه في قوله :﴿ ظَلْتَ عليه عاكفاً ﴾ [ طه : ٩٧ ].