وقوله تعالى :﴿ ونحن أقرب إليه منكم ﴾ يحتمل أن يريد ملائكته ورسله، ويحتمل أن يريد بقدرتنا وغلبتنا، فعلى الاحتمال الأول يجيء قوله :﴿ ولكن لا تبصرون ﴾ من البصر بالعين، وعلى التأويل الثاني يجيء من البصر بالقلب. وقال عامر بن عبد قيس : ما نظلت إلى شيء إلا رأيت الله أقرب إليه مني، ثم عاد التوقيف والتقرير ثانية بلفظ التحضيض، والمدين : المملوك هذا أصح ما يقال في معنى اللفظة هنا، ومن عبر عنها بمجازي أو بمحاسب فذلك هنا قلق والمملوك يقلب كيف يشاء المالك، ومن هذا الملك قول الأخطل :[ الطويل ]
ربت وربا في حجرها ابن مدينة... تراه على مسحاته يتركّلُ
أراد ابن أمة مملوكة وهو عبد يخدم الكرم، وقد قيل في معنى هذا البيت : أراد أكاراً حضرياً لأن الأعراب في البادية لا يعرفون الفلاحة وعمل الكرم، فنسبه إلى المدينة لما كان من أهلها، فبمعنى الآية فلولا ترجعون النفس البالغة الحلقوم إن كنتم غير مملوكين مقهورين ودين الملك حكمه وسلطانه، وقد نحا إلى هذا المعنى الفراء، وذكره مستوعباً النقاش.
وقوله :﴿ ترجعونها ﴾ سدت مسد الأجوبة والبيانات التي يقتضيها التحضيضات، و﴿ إذا ﴾ من قوله :﴿ فلولا إذا ﴾ و﴿ إن ﴾ المتكررة وحمل بعض القول بعضاً إيجازاً واقتضاباً.
فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨)
ذكر الله تعالى في هذه الآية حال الأزواج الثلاثة المذكورين في أول السورة وحال كل امرئ منهم، فأما المرء من السابقين المقربين فيلقى عند موته روحاً وريحاناً، والروح : الرحمة والسعة والفرح، ومنه ﴿ روح الله ﴾ [ يوسف : ٨٧ ] والريحان وهو دليل النعيم، وقال مجاهد، الريحان : الرزق. وقال أبو العالية وقتادة والحسن، الريحان : هذا الشجر المعروف في الدنيا يلقى المقربين ريحاناً من الجنة.


الصفحة التالية
Icon