قوله تعالى :﴿ وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ اليمين ﴾ أي "إِنْ كَانَ" هذا المتوفَّى ﴿ مِنْ أَصْحَابِ اليمين ﴾ ﴿ فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ اليمين ﴾ أي لست ترى منهم إلا ما تحبّ من السلامة فلا تهتم لهم، فإنهم يسلمون من عذاب الله.
وقيل : المعنى سلام لك منهم ؛ أي أنت سالم من الاغتمام لهم.
والمعنى واحد.
وقيل : أي إن أصحاب اليمين يدعون لك يا محمد بأن يصلّي الله عليك ويسلم.
وقيل : المعنى إنهم يسلمون عليك يا محمد.
وقيل : معناه سلمت أيها العبد مما تكره فإنك من أصحاب اليمين ؛ فحذف إنك.
وقيل : إنه يُحيَّا بالسلام إكراماً ؛ فعلى هذا في محل السلام ثلاثة أقاويل : أحدها عند قبض روحه في الدنيا يسلّم عليه مَلَك الموت ؛ قاله الضحاك.
وقال ابن مسعود : إذا جاء مَلَك الموت ليقبض روح المؤمن قال : ربك يقرئك السلام.
وقد مضى هذا في سورة "النحل" عند قوله تعالى :﴿ الذين تَتَوَفَّاهُمُ الملائكة طَيِّبِينَ ﴾ [ النحل : ٣٢ ].
الثاني عند مساءلته في القبر يسلّم عليه منكر ونكير.
الثالث عند بعثه في القيامة تسلّم عليه الملائكة قبل وصوله إليها.
قلت : وقد يحتمل أن تسلّم عليه في المواطن الثلاثة ويكون ذلك إكراماً بعد إكرام.
والله أعلم.
وجواب "إِنّ" عند المبرِّد محذوف التقدير مهما يكن من شيء ﴿ فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ اليمين ﴾ إن كان من أصحاب اليمين ﴿ فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ اليمين ﴾ فحذف جواب الشرط لدلالة ما تقدّم عليه، كما حذف الجواب في نحو قولك أنت ظالم إن فعلت ؛ لدلالة ما تقدّم عليه.
ومذهب الأخفش أن الفاء جواب "أَمَّا" و "إِنْ"، ومعنى ذلك أن الفاء جواب "أَمَّا" وقد سدّت مسدّ جواب "إِنْ" على التقدير المتقدّم، والفاء جواب لهما على هذا الحد.
ومعنى "أَمَّا" عند الزجاج : الخروج من شيء إلى شيء ؛ أي دع ما كنا فيه وخذ في غيره.


الصفحة التالية
Icon