وقال عكرمة : التوراة والإنجيل، كأنه قال : ذكر في كتاب مكنون كرمه وشرفه، فالمعنى على هذا الاستشهاد بالكتب المنزلة.
وقيل :﴿ في كتاب مكنون ﴾ : أي في مصاحف للمسلمين مصونة من التبديل والتغيير، ولم تكن إذ ذاك مصاحف، فهو إخبار بغيب.
والظاهر أن قوله :﴿ لا يمسه إلا المطهرون ﴾ وصف لقرآن كريم، فالمطهرون هم الملائكة.
وقيل :﴿ لا يمسه ﴾ صفة لكتاب مكنون، فإن كان الكتاب هو الذي في السماء، فالمطهرون هم الملائكة أيضاً : أي لا يطلع عليه من سواهم، وكذا على قول عكرمة : هم الملائكة، وإن أريد بكتاب مكنون الصحف، فالمعنى : أنه لا ينبغي أن يمسه إلا من هو على طهارة من الناس.
وإذا كان ﴿ المطهرون ﴾ هم الملائكة، ﴿ فلا يمسه ﴾ نفي، ويؤيد المنفي ما يمسه على قراءة عبد الله.
وإذا عنى بهم المطهرون من الكفر والجنابة، فاحتمل أن يكون نفياً محضاً، ويكون حكمه أنه لا يمسه إلا المطهرون، وإن كان يمسه غير المطهر، كما جاء :" لا يعضد شجرها "، أي الحكم هذا، وإن كان قد يقع العضد.
واحتمل أن يكون نفياً أريد به النهي، فالضمة في السين إعراب.
واحتمل أن يكون نهياً فلو فك ظهر الجزم، ولكنه لما أدغم كان مجزوماً في التقدير، والضمة فيه لأجل ضمة الهاء، كما جاء في الحديث :" إنا لم نرده عليك "، إلا إنا جزم، وهو مجزوم، ولم يحفظ سيبويه في نحو هذا من المجزوم المدغم المتصل بالهاء ضمير المذكر إلا الضم.
قال ابن عطية : والقول بأن لا يمسه نهي، قول فيه ضعف، وذلك أنه إذا كان خبراً، فهو في موضع الصفة وقوله بعد ذلك ﴿ تنزيل ﴾ صفة، فإذا جعلناه نهياً، جاء معناه أجنبياً معترضاً بين الصفات، وذلك لا يحسن في وصف الكلام فتدبره.
وفي حرف ابن مسعود ما يمسه، وهذا يقوي ما رجحته من الخبر الذي معناه حقه وقدره أن لا يمسه إلا طاهر.
انتهى.


الصفحة التالية
Icon