قلبيا لا يعتد به ولا ينفع به صاحبه لهذا يقول اللّه تعالى أما حان لهم أن يخشعوا لذكري "وَ" يخضعوا إلى "ما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ" على رسولهم من قبلي بعد ما أرادوا من الآيات البينات الموجبة لخشوعهم وخضوعهم، ألا فلينقادوا ويخبتوا
"وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ" إرسال الرّسول إليهم وإنزال الكتاب عليهم وهم اليهود والنّصارى الّذين سوّفوا وأسرفوا "فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ" فيما بينهم وبين
أنبيائهم حتى زالت عنهم الرّوعة التي كانوا يجدونها عند سماع تلاوة كتابهم، وقد خلت قلوبهم من الخشوع الذي كانوا يحسون به فاتبعوا الأهواء "فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ" فلم يبق يؤثر فيها الوعظ ولا التذكير "وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ" (١٦) متجاوزون حدود اللّه بسبب تلك القسوة التي ألبست قلوبهم فمنعتها من أن تخضع لسماع ذكر اللّه، فيا أيها النّاس "اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها" كما أنه يحيي الإنسان والحيوان بعد الموت فلأن يحيي القلوب التي أماتتها القسوة من باب أولى إذا رجعت إلى اللّه وأنابت إليه "قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ" الدالة على ذلك فيما تقدم من الذكر وفصّلنا لكم كيفية إحياء الأرض الميتة بالمطر، وإحياء القلوب بالذكر "لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" (١٧) حكمتنا فتركنون إليها وتعملون بما يفضي إليها، قال الكلبي ومقاتل إن هذه الآية نزلت في المنافقين، وذلك أنهم قالوا لسلمان الفارسي حدثنا في التوراة، فنزل أولا نحن نقص عليك أحسن القصص الآية الثالثة من سورة يوسف ج ٢، فكفوا عنه، ثم سألوه ثانيا فأنزل اللّه (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) الآية ٢٣ من الزمر ج ٢ أيضا، ثم سألوه ثالثا فنزلت هذه الآية.