وكثيرا ما يجر هذا الحطام إلى الفخر والخيلاء "وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ" (٢٣) هذا والمراد بالحزن المذموم وهو المخرج صاحبه عن دائرة الصّبر والتسليم لأمر اللّه لا مطلق الحزن، إذ لا يخلو إنسان منه، كما ان المراد بالفرح الملهي عن الشّكر لا مطلق الفرح الذي تنبسط منه النّفس بالطبع، فهذان لا بأس بهما وكذلك لا يحبّ "الَّذِينَ يَبْخَلُونَ" بأموالهم على فقراء اللّه التي منحهم اللّه إياها "وَ" مع هذا فإنهم "يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ" ويعرض عما أراده اللّه منه "فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ" عنه "الْحَمِيدُ" (٢٤) لمن أطاعه.
قال تعالى "لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا" محمدا فمن قبله "بِالْبَيِّناتِ" الحجج الواضحة والبراهين السّاطعة الدّالة على رسالتهم "وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ" المتضمن
الشرائع التي أمروا بتبليغها لأقوامهم "وَالْمِيزانَ" أنزلناه معهم ليقيموا العدل بين أممهم، لأن المراد بالميزان هنا العدل الذي به قوام مصالح النّاس وملاك أمورهم وجماع تآلفهم وتواددهم، بدليل قوله "لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ" ولا يتظالموا فيما بينهم، فيعتدي القوي على الضّعيف والشّريف على الحقير لأنها فيه سواسية، والتفاضل إنما يكون بالأعمال، وقد يكون بالأموال والجاه والرّياسة المراعى فيها التقوى التي هي أساس كلّ خير من هذه الأشياء وغيرها.
مطلب في الحديد ومنافعه وكونه من معجزات القرآن وما يعمل منه وما يستخرج فيه ويحتاج إليه :
"وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ" أحد بركات الأرض الأربع التي منحها اللّه عباده من هباته الجليلة وتخصيصاته العظيمة، والثاني الملح، والثالث الماء، والرّابع النّار، أي أصلها وهو عنصر الأوكسجين، وهذا من معجزات القرآن إذ تحقق لأهل هذا العصر أنه ينزل من السّماء.


الصفحة التالية
Icon