واعلم أن الآية دلت على أن من صدر عنه الإنفاق في سبيل الله، والقتال مع أعداء الله قبل الفتح يكون أعظم حالاً ممن صدر عنه هذان الأمران بعد الفتح، ومعلوم أن صاحب الإنفاق هو أبو بكر، وصاحب القتال هو علي، ثم إنه تعالى قدم صاحب الإنفاق في الذكر على صاحب القتال، وفيه إيماء إلى تقديم أبي بكر، ولأن الإنفاق من باب الرحمة، والقتال من باب الغضب، وقال تعالى :" سبقت رحمتي غضبي " فكان السبق لصاحب الإنفاق، فإن قيل : بل صاحب الإنفاق هو علي، لقوله تعالى :﴿وَيُطْعِمُونَ الطعام﴾ [ الإنسان : ٨ ] قلنا : إطلاق القول بأنه أنفق لا يتحقق إلا إذا أنفق في الوقائع العظيمة أموالاً عظيمة، وذكر الواحدي في البسيط أن أبا بكر كان أول من قاتل على الإسلام، ولأن علياً في أول ظهور الإسلام كان صبياً صغيراً، ولم يكن صاحب القتال وأما أبا بكر فإنه كان شيخاً مقدماً، وكان يذب عن الإسلام حتى ضرب بسببه ضرباً أشرف به على الموت.
المسألة الرابعة :
جعل علماء التوحيد هذه الآية دالة على فضل من سبق إلى الإسلام، وأنفق وجاهد مع الرسول ﷺ قبل الفتح، وبينوا الوجه في ذلك وهو عظم موقع نصرة الرسول عليه الصلاة والسلام بالنفس، وإنفاق المال في تلك الحال، وفي عدد المسلمين قلة، وفي الكافرين شوكة وكثرة عدد، فكانت الحاجة إلى النصرة والمعاونة أشد بخلاف ما بعد الفتح، فإن الإسلام صار في ذلك الوقت قوياً، والكفر ضعيفاً، ويدل عليه قوله تعالى :﴿والسابقون الأولون مِنَ المهاجرين والأنصار﴾ [ التوبة : ١٠٠ ] وقوله عليه الصلاة والسلام :" لا تسبوا أصحابي، فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه "
ثم قال تعالى :﴿وَكُلاًّ وَعَدَ الله الحسنى والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
أي وكل واحد من الفريقين ﴿وَعَدَ الله بالحسنى﴾ أي المثوبة الحسنى، وهي الجنة مع تفاوت الدرجات.