وقوله :﴿ مما جعلكم مستخلفين ﴾ تزهيد وتنبيه على أن الأموال إنما تصير إلى الإنسان من غيره ويتركها لغيره، وليس له من ذلك إلا ما تضمنه قول الرسول ﷺ :" يقول ابن آدم مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت " ويروى أن رجلاً مر بأعرابي له إبل، فقال له : يا أعرابي، لمن هذه الإبل؟ فقال : هي لله عندي. فهذا موقف مصيب إن كان ممن صحب قوله عمله.
وقوله تعالى :﴿ وما لكم لا تؤمنون بالله ﴾ الآية توطئة لدعائهم وإيجاب لأنهم أهل هذه الرتب الرفيعة فإذا تقرر ذلك فلا مانع من الإيمان، وهذا كما تريد أن تندب رجلاً إلى عطاء فتقول له : أنت يا فلان من قوم أجواد فينبغي أن تكرم، وهذا مطرد في جميع الأمور إذا أردت من أحد فعلاً خلقته بخلق أهل ذلك الفعل وجعلت له رتبتهم، فإذا تقرر في هؤلاء أن الرسول يدعو وأنهم ممن أخذ الله ميثاقهم فكيف يمتنعون من الإيمان.
وقرأ جمهور القراء :" وقد أَخذ " على بناء الفعل للفاعل. وقرأ أبو عمرو :" قد أُخذ " على بناء الفعل للمفعول والآخذ على كل قول هو الله تعالى، وهو الآخذ حين الإخراج من ظهر آدم على ما مضى في غير هذه السورة، والمخاطبة ببناء الفعل للمفعول أشد غلظة على المخاطب، ونحوه قوله تعالى :﴿ فاستقم كما أمرت ﴾ [ هود : ١١٢ ] وكما تقول لامرئ : افعل كما قيل لك، فهو أبلغ من قولك : افعل ما قلت لك.
وقوله :﴿ إن كنتم مؤمنين ﴾ قال الطبري المعنى : إن كنتم مؤمنين في حال من الأحوال فالآن.
قال القاضي أبو محمد : وهذا معنى ليس في ألفاظ الآية وفيه إضمار كثير، وإنما المعنى عندي أن قوله : وإن الرسول ﴿ يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين ﴾، يقتضي أن يقدر بأثره : فأنتم في رتب شريفة وأقدار رفيعة إن كنتم مؤمنين، أي إن دمتم على ما بدأتم به.