لم تفعلوا كما فعلنا من الإيمان بالغيب وترك التجربة ونسبة ما يحصل لنا مما فيه فتنة إلى أنفسنا بتقصيرنا، وكنا كلما حصل لنا ما يزلزل نقول : هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ولا يزيدنا ذلك إلاّ إيماناً وتسليماً وانتظرتم أيضاً الدوائر بأهل الإيمان لتظهروا النفاق ﴿وارتبتم﴾ أي شككتم بتكليف أنفسكم الشك بذلك التربص ﴿وغرتكم الأماني﴾ أي ما تتمنون أي تريدون وتقدرون من الإرادات التي معها شهوة عظيمة من الأطماع الفارغة التي لا سبب لها غير شهوة النفس إياها بما كنتم تتوقعون لنا من دوائر السوء ﴿حتى جاء أمر الله﴾ أي قضاء الملك المتصف بجميع صفات الكمال فلا كفوء له ولا خلف لقوله من الموت ومقدمات من الأمور الدهشة، فكما كنتم في الدنيا مقصرين كنتم في هذا الموطن ﴿وغركم بالله﴾ أي الملك الذي له جميع العظمة، فهو بحيث لا يخلف الميعاد وهو الولي الودود ﴿الغرور﴾ أي من لا صنع له إلا الكذب وهو الشيطان وهو العدو الحسود، فإنه ينوع لكم بغروره التسويف ويقول : إن الله غفور رحيم وعفو كريم، وماذا عسى أن تكون ذنوبكم عنه وهو عظيم ومحسن وحليم ونحو هذا، فلا يزال حتى يوقع الإنسان، فإذا أوقع واصل عليه مثل ذلك حتى يتمادى، فإذا تمادى صار الباعث له حينئذ من قبل نفسه فصار طوع يده.
ولما أقروا لهم بالكون الجامع، وذكروا ما حصل به والفرق المانع فظهر أن لا كون، سببوا عنه قولهم :﴿فاليوم﴾ أي بسبب أفعالكم تلك ﴿لا يؤخذ﴾ بناء للمفعول لأن الضار عدم الأخذ لا كونه من آخذ معين وليفيد سد باب الأخذ مطلقاً ﴿منكم فدية﴾ أي نوع من أنواع الفداء وهو البدل والعضو للنفس على أي حال من قلة أو كثرة أو حسن أو غيره لأن الإله غني وقد فات محل العمل الذي شرعه لإنقاذ أنفسكم.
ولما كانوا مكذبين أكد فقال :﴿ولا من الذين كفروا﴾ أي أظهروا كفرهم ولم يستروه كما سترتموه أنتم لمساواتكم لهم في الكفر.