جاء في بعض الفواتح ﴿سَبِّحِ﴾ على لفظ الماضي، وفي بعضها على لفظ المضارع، وذلك إشارة إلى أن كون هذه الأشياء مسبحة غير مختص بوقت دون وقت، بل هي كانت مسبحة أبداً في الماضي، وتكون مسبحة أبداً في المستقبل، وذلك لأن كونها مسبحة صفة لازمة لماهياتها، فيستحيل انفكاك تلك الماهيات عن ذلك التسبيح، وإنما قلنا : إن هذه المسبحية صفة لازمة لماهياتها، لأن كل ما عدا الواجب ممكن، وكل ممكن فهو مفتقر إلى الواجب، وكون الواجب واجباً يقتضي تنزيهه عن كل سوء في الذات والصفات والأفعال والأحكام والأسماء على ما بيناه، فظهر أن هذه المسبحية كانت حاصلة في الماضي، وتكون حاصلة في المستقبل، والله أعلم.
المسألة الثالثة :
هذا الفعل تارة عدي باللام كما في هذه السورة، وأخرى بنفسه كما في قوله :
﴿وَتُسَبّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ [ الفتح : ٩ ] وأصله التعدي بنفسه، لأن معنى سبحته أي بعدته عن السوء، فاللام إما أن تكون مثل اللام في نصحته ونصحت له، وإما أن يراد يسبح لله أحدث التسبيح لأجل الله وخالصاً لوجهه.
المسألة الرابعة :
زعم الزجاج أن المراد بهذا التسبيح، التسبيح الذي هو القول، واحتج عليه بوجهين الأول : أنه تعالى قال :﴿وَإِن مّن شَيْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [ الإسراء : ٤٤ ] فلو كان المراد من التسبيح، هو دلالة آثار الصنع على الصانع لكانوا يفقهونه الثاني : أنه تعالى قال :﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُود الجبال يُسَبّحْنَ﴾ [ الأنبياء : ٧٩ ] فلو كان تسبيحاً عبارة عن دلالة الصنع على الصانع لما كان في ذلك تخصيص لداود عليه السلام.
واعلم أن هذا الكلام ضعيف ( لحجتين ) :


الصفحة التالية
Icon