وقال ابن عطية :
﴿ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ ﴾
العامل في :﴿ يوم ﴾ قوله ﴿ وله أجر كريم ﴾ [ الحديد : ١١ ]. والرؤية في هذه الآية رؤية عين. والنور : قال الضحاك بن مزاحم : هي استعارة، عبارة عن الهدى والرضوان الذي هم فيه. وقال الجمهور : بل هو نور حقيقة، وروي في هذا عن ابن عباس وغيره آثار مضمنها : أن كل مؤمن ومظهر للإيمان يعطى يوم القيامة نوراً فيطفأ نور كل منافق ويبقى نور المؤمنين. حتى أن منهم من نوره يضيء كما بين مكة وصنعاء، رفعه قتادة إلى النبي ﷺ، ومنهم من نوره كالنخلة السحوق. ومنهم من نوره يضيء ما بين قرب من قدميه، قال ابن مسعود : ومنهم من يهم بالانطفاء مرة ويتبين مرة على قدر المنازل في الطاعة والمعصية. وخص تعالى بين الأيدي بالذكر لأنه موضع حاجة الإنسان إلى النور.
واختلف الناس في قوله :﴿ وبأيمانهم ﴾ فقال بعض المتأولين المعنى : وعن أيمانهم، فكأنه خص ذكر جهة اليمين تشريفاً، وناب ذلك مناب أن يقول : وفي جميع جهاتهم، وقال آخرون منهم، المعنى :﴿ وبأيمانهم ﴾ كتبهم بالرحمة. وقال جمهور المفسرين، المعنى : يسعى نورهم بين أيديهم، يريد الضوء المنبسط من أصل النور. ﴿ وبأيمانهم ﴾ أصله، والشيء الذي هو متقد فيه.
قال القاضي أبو محمد : فضمن هذا القول أنهم يحملون الأنوار، وكونهم غير حاملين أكرم، ألا ترى أن فضيلة عباد بن بشر وأسيد بن حضير إنما كانت بنور لا يحملانه. هذا في الدنيا فكيف في الآخرة، ومن هذه الآية انتزع حمل المعتق للشمعة.
وقرأ الناس :" بأيمانهم " جمع يمين. وقرأ سهل بن سعد وأبو حيوة :" بإيمانهم " بكسر الألف، وهو معطوف على قوله :﴿ بين أيديهم ﴾ كأنه قال : كائناً بين أيديهم، وكائناً بسبب إيمانهم.