قال المتكلمون : هذه المعية إما بالعلم وإما بالحفظ والحراسة، وعلى التقديرين فقد انعقد الإجماع على أنه سبحانه ليس معنا بالمكان والجهة والحيز، فإذن قوله :﴿وَهُوَ مَعَكُمْ﴾ لا بد فيه من التأويل وإذا جوزنا التأويل في موضع وجب تجويزه في سائر المواضع.
المسألة الثالثة :
اعلم أن في هذه الآيات ترتيباً عجيباً، وذلك لأنه بين قوله :﴿هُوَ الأول والآخر والظاهر والباطن﴾ كونه إلهاً لجميع الممكنات والكائنات، ثم بين كونه إلهاً للعرش والسموات والأرضين.
ثم بين بقوله :﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنتُمْ﴾ معينه لنا بسبب القدرة والإيجاد والتكوين وبسبب العلم وهو كونه عالماً بظواهرنا وبواطننا، فتأمل في كيفية هذا الترتيب، ثم تأمل في ألفاظ هذه الآيات فإن فيها أسراراً عجيبة وتنبيهات على أمور عالية.
لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٥)
أي إلى حيث لا مالك سواه، ودل بهذا القول على إثبات المعاد.
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٦)
وهذه الآيات قد تقدم تفسيرها في سائر السور، وهي جامعة بين الدلالة على قدرته، وبين إظهار نعمه، والمقصود من إعادتها البعث على النظر والتأمل، ثم الاشتغال بالشكر. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٩ صـ ١٨٧ ـ ١٨٨﴾