وقال ابن عاشور :
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾
موقع هذه الجملة استنئاف كموقع جملة ﴿ هو الأول والآخر ﴾ [ الحديد : ٣ ] الآية، فهذا استئناف ثان مفيد الاستدلال على انفراده تعالى بالإِلهية ليقلعوا عن الإِشراك به.
ويفيد أيضاً بياناً لمضمون جملة ﴿ له ملك السموات والأرض ﴾ [ الحديد : ٥ ] وجملة ﴿ وهو على كل شيء قدير ﴾ [ الحديد : ٢ ]، فإن الذي خلق السماوات والأرض قادر على عظيم الإِبداع.
والاستواءُ على العرش تمثيل للمُلك الذي في قوله :﴿ له ملك السموات والأرض ﴾ [ الحديد : ٢ ]
وهذا معنى اسمه تعالى :"الخالق"، وتقدم قريب من هذه الآية في أوائل سورة الأعراف ( ١١ ).
﴿ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى الأرض وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السمآء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ﴾ استئناف لتقرير عموم علمه تعالى بكل شيء فكان بيانَ جملة ﴿ وهو على كل شيء قدير ﴾ [ الحديد : ٢ ] وجملة ﴿ وهو بكل شيء عليم ﴾ [ الحديد : ٣ ] جارياً على طريقة النشر لللف على الترتيب، وتقدم نظير هذه الآية في سورة سبأ.
فانظر ذلك.
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير ﴾.
عطف معنى خاص على معنى شمله وغيرَه لقصد الاهتمام بالمعطوف.
والمعيّة تمثيل كنائي عن العلم بجميع أحوالهم.
و﴿ أين ما ﴾ ظرف مركب من ( أين ) وهي اسم للمكان، و ( ما ) الزائدة للدلالة على تعميم الأمكنة.
وجملة ﴿ والله بما تعملون بصير ﴾ تكملة لمضمون ﴿ وهو معكم أين ما كنتم ﴾، وكان حقها أن لا تعطف وإنما عطفت ترجيحاً لجانب ما تحتوي عليه من الخبر عن هذه الصفة.


الصفحة التالية
Icon