وقال ابن عاشور :
﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ ﴾
أعقب التحريض على الصدقات والإِنفاققِ بالإِشارة إلى دحض سبب الشح أنه الحرص على استبقاء المال لإِنْفَاقَه في لذائذ الحياة الدنيا، فضُرب لهم مثلُ الحياة الدنيا بحالٍ محقَّرة على أنها زائلة تحقيراً لحاصلها وتزهيداً فيها لأن التعلق بها يعوق عن الفَلاَح قال تعالى :﴿ ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ﴾ [ الحشر : ٩ ]، وقال :﴿ وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً ﴾ [ النساء : ١٢٨ ].
كل ذلك في سياق الحث على الإنفاق الواجب وغيره، وأشير إلى أنها ينبغي أن تتخذ الحياة وسيلة للنعيم الدائم في الآخرة، ووقاية من العذاب الشديد، وما عدا ذلك من أحوال الحياة فهو متاع قليل، ولذلك أعقب مثل الحياة الدنيا بالإِخبار عن الآخرة بقوله :"في الآخرة عذاب" الخ.
وافتتاح هذا بقوله تعالى :﴿ اعلموا ﴾ للوجه الذي بيناه آنفاً في قوله :﴿ اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها ﴾ [ الحديد : ١٧ ].
و﴿ أَنَّمَا ﴾ المفتوحةُ الهمزة أخت ( إنما ) المكسورة الهمزة في إفادة الحصر، وحصر الحياة الدنيا في الأخبار الجارية عليها هو قصر أحوال الناس في الحياة على هذه الأمور الستة باعتبار غالب الناس، فهو قصر ادعائي بالنظر إلى ما تنصرف إليه همم غالب الناس من شؤون الحياة الدنيا، والتي إن سلم بعضهم من بعضها لا يخلو من ملابسة بعض آخر إلا الذين عصمهم الله تعالى فجعل أعمالهم في الحياة كلها لوجه الله، وإلا فإن الحياة قد يكون فيها أعمال التقى والمنافع والإحسان والتأييد للحق وتعليم الفضائل وتشريع القوانين.


الصفحة التالية
Icon