واعلم أن هذا ضعيف لأن كونه تعالى متفضلاً بأسباب ذلك الكسب لا يوجب كونه تعالى متفضلاً بنفس الجنة، فإن من وهب من إنسان كاغداً ودواة وقلماً، ثم إن ذلك الإنسان كتب بذلك المداد على ذلك الكاغد مصحفاً وباعه من الواهب، لا يقال : إن أداء ذلك الثمن تفضيل، بل يقال : إنه مستحق، فكذا ههنا، وأما قوله أولاً إنه لا بد من الاستحقاق، وإلا لم يكن لقوله من قبل :﴿سَابِقُواْ إلى مَغْفِرَةٍ﴾ معنى، فجوابه أن هذا الاستدلال عجيب، لأن للمتفضل أن يشرط في تفضله أي شرط شاء، ويقول : لا أتفضل إلا مع هذا الشرط.
ثم قال تعالى :﴿والله ذُو الفضل العظيم﴾ والمراد منه التنبيه على عظم حال الجنة، وذلك لأن ذا الفضل العظيم إذا أعطى عطاء مدح به نفسه وأثنى بسببه على نفسه، فإنه لا بد وأن يكون ذلك العطاء عظيماً.
مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٢٢)
قال الزجاج : إنه تعالى لما قال :﴿سَابِقُواْ إلى مَغْفِرَةٍ﴾ [ الحديد : ٢١ ] بين أن المؤدي إلى الجنة والنار لا يكون إلا بقضاء وقدر، فقال :﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ﴾ والمعنى لا توجد مصيبة من هذه المصائب إلا وهي مكتوبة عند الله، والمصيبة في الأرض هي قحط المطر، وقلة النبات، ونقص الثمار، وغلاء الأسعار، وتتابع الجوع، والمصيبة في الأنفس فيها قولان : الأول : أنها هي : الأمراض، والفقر، وذهاب الأولاد، وإقامة الحدود عليها والثاني : أنها تتناول الخير والشر أجمع لقوله بعد ذلك :﴿لّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ على مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَا ءاتاكم﴾ [ الحديد : ٢٣ ] ثم قال :﴿إِلاَّ فِي كتاب﴾ يعني مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
هذه الآية دالة على أن جميع الحوادث الأرضية قبل دخولها في الوجود مكتوبة في اللوح المحفوظ.


الصفحة التالية
Icon