وكان بعض الصحابة رضى الله عنهم وهو حذيفة يقول: "إياكم وخشوع النفاق فقيل له: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع" ورأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا طأطأ رقبته في الصلاة فقال: "يا صاحب الرقبة ارفع رقبتك ليس الخشوع في الرقاب إنما الخشوع في القلوب" ورأت عائشة رضى الله عنها "شبابا يمشون ويتماوتون في مشيتهم فقالت لأصحابها: من هؤلاء؟ فقالوا: نساك فقالت: كان عمر بن الخطاب إذا مشى أسرع وإذا قال: أسمع وإذا ضرب: أوجع وإذا أطعم: أشبع وكان هو الناسك حقا" وقال الفضيل بن عياض: "كان يكره أن يرى الرجل من الخشوع أكثر مما في قلبه" وقال حذيفة رضي الله عنه: "أول ما تفقدون من دينكم الخشوع وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة ورب مصل لا خير فيه ويوشك
أن تدخل مسجد الجماعة فلا ترى فيهم خاشعا" وقال سهل: "من خشع قلبه لم يقرب منه الشيطان".

فصل


قال صاحب المنازل:
"الخشوع: خمود النفس وهمود الطباع لمتعاظم أو مفزع".
يعنى: انقباض النفس والطبع وهو خمود قوى النفس عن الانبساط لمن له في القلوب عظمة ومهابة أو لما يفزع منه القلب.
والحق: أن (الخشوع) معنى يلتئم من التعظيم والمحبة والذل والانكسار قال: "وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى: التذلل للأمر: والاستسلام للحكم والاتضاع لنظر الحق". التذلل للأمر والاستسلام للحكم والاتضاع لنظر الحق".
التذلل للأمر: تلقيه بذلة القبول والانقياد والامتثال ومواطأة الظاهر الباطن مع إظهار الضعف والافتقار إلى الهداية للأمر قبل الفعل والإعانة عليه حال الفعل وقبوله بعد الفعل.
وأما الاستسلام للحكم: فيجوز أن يريد به: الحكم الديني الشرعي فيكون معناه: عدم معارضته برأي أو شهوة ويجوز أن يريد به: الاستسلام للحكم القدري وهو عدم تلقيه بالتسخط والكراهة والاعتراض.
والحق: أن (الخشوع) هو الاستسلام للحكمين وهو الانقياد بالمسكنة والذل لأمر الله وقضائه.


الصفحة التالية
Icon