قال أصحاب القول الآخر: قد ثبت عن النبي ﷺ في الصحيح أنه قال: "إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين فإذا قضى التأذين أقبل فإذا ثوب بالصلاة أدبر فإذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء وبين نفسه فيذكره ما لم يكن يذكر يقول: اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يضل الرجل لا يدري كم صلى فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس".
قالوا: فأمره النبي ﷺ في هذه الصلاة التي قد أغفله الشيطان
فيها حتى لم يدركم صلى: بأن يسجد سجدتي السهو ولم يأمره بإعادتها ولو كانت باطلة كما زعمتم لأمره بإعادتها.
قالوا: وهذا هو السر في سجدتي السهو ترغيما للشيطان في وسوسته للعبد وكونه حال بينه وبين الحضور في الصلاة ولهذا سماها النبي ﷺ المرغمتين وأمر من سها بهما ولم يفصل في سهوه الذي صدر عنه موجب السجود بين القليل والكثير والغالب والمغلوب وقال: "لكل سهو سجدتان" ولم يستثن من ذلك السهو الغالب مع أنه الغالب.
قالوا: ولأن شرائع الإسلام على الأفعال الظاهرة وأما حقائق الإيمان الباطنة: فتلك عليها شرائع الثواب والعقاب فلله تعالى حكمان: حكم في الدنيا على الشرائع الظاهرة وأعمال الجوارح وحكم في الأخرة على الظواهر والبواطن ولهذا كان النبي ﷺ يقبل علانية المنافقين ويكل أسرارهم إلى الله تعالى فيناكحون ويرثون ويورثون ويعتد بصلاتهم في أحكام الدنيا فلا يكون حكمهم حكم تارك الصلاة إذ قد أتوا بصورتها الظاهرة وأحكام الثواب والعقاب ليست إلى البشر بل إلى الله والله يتولاه في الدار الآخرة.
قالوا: فنحن في حكم شرائع الإسلام نحكم بصحة صلاة المنافق والمرائى مع أنه لا يسقط عنه العقاب ولا يحصل له الثواب في الآخرة فصلاة المسلم الغافل المبتلى بالوسواس وغفلة القلب عن كمال حضوره أولى بالصحة.


الصفحة التالية
Icon