وقال الثعالبى :
و﴿ المصدقين ﴾ : يعني به المتصدقين، وباقي الآية بين.
* ت * : وقد جاءت آثار صحيحة في الحَضِّ على الصدقة، قد ذكرنا منها جملة في هذا المختصر، وأسند مالك في «الموطأ» عن النبي ﷺ ؛ أَنَّهُ قال :" يَا نِسَاءَ المُؤْمِنَاتِ، لاَ تَحْقِرَنَّ إحْدَاكُنَّ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ كُرَاعَ شَاةٍ مُحْرَقاً " وفي «الموطأ» عنه ﷺ " رُدُّواْ السَّائِلَ وَلَوْ بِظَلِفٍ مُحْْرَّقٍ " قال ابن عبد البر في «التمهيد» : ففي هذا الحديث الحَضُّ على الصدقة بكل ما أمكن من قليل الأشياء وكثيرها، وفي قول اللَّه عز وجل :﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ﴾ [ الزلزلة : ٧ ] أوضح الدلائل في هذا الباب، وتصدقت عائشةُ رضي اللَّه عنها بحبتين من عنب، فنظر إليها بَعْضُ أهل بيتها فقالت : لا تَعْجَبْنَ ؛ فكم فيها من مثقال ذرة، ومن هذا الباب قوله ﷺ :" اتَّقُوا النَّارَ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، وَلَوْ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ " وإِذا كان اللَّه عز وجل يُرْبي الصدقاتِ، ويأخذ الصدقةَ بيمينه فَيُرَبِّيَهَا، كما يُرَبِّي أَحَدُنَا فَلَوَّه أَوْ فَصِيلَهُ فما بالُ مَنْ عَرَفَ هذا يَغْفُلُ عنه! وما التوفيق إلاَّ باللَّه، انتهى من «التمهيد»، وروى ابن المبارك في «رقائقه» قال : أخبرنا حرملة بن عمران أَنَّهُ سَمِعَ يزيد بن أبى حَبِيبٍ يحدِّثُ أَنَّ أبا الخير حدثه : أَنَّه سمع عقبة بن عامر يقول : سَمِعْتُ رسول اللَّه ﷺ يقول :" كُلُّ امْرِىءٍ في ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَل بَيْنَ النَّاسِ " قال يزيد : فكان أبو الخير لا يخطئه يومٌ إلاَّ تصدق فيه بشيء، ولو كَعْكَةً أو بَصَلَةً أو كذا، انتهى، و ﴿ الصديقون ﴾ : بناء مبالغة من الصدق أو من التصديق ؛ على ما ذكر الزَّجَّاج.


الصفحة التالية
Icon