والإشارة في قوله :﴿ أوتوا الكتاب ﴾ إلى بني إسرائيل المعاصرين لموسى عليه السلام، وذلك قال :﴿ من قبل ﴾ وإنما شبه أهل عصر نبي بأهل عصر نبي. و: ﴿ الأمد ﴾ قيل معناه : أمد انتظار الفتح، وقيل أمد انتظار القيامة وقيل أمد الحياة. و: ﴿ قست ﴾ معناه : صلبت وقل خيرها وانفعالها للطاعات وسكنت إلى معاصي الله، ففعلوا من العصيان والمخالفة ما هو مأثور عنهم.
وقوله تعالى :﴿ اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها ﴾ الآية مخاطبة لهؤلاء المؤمنين الذين ندبوا إلى الخشوع، وهذا ضرب مثل واستدعاء إلى الخير، رقيق وتقريب بليغ، أي لا يبعد عنكم أيها التاركون للخشوع رجوعكم إليه وتلبسكم به، " فإن الله يحيي الأرض بعد موتها "، فكذلك يفعل بالقلوب، يردها إلى الخشوع بعد بعدها عنه، وترجع هي إليه إذا وقعت الإنابة والتكسب من العبد بعد نفورها منه كما تحيى الأرض بعد أن كانت ميتة غبراء. وباقي الآية بين جداً.
إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١٨)
قرأ جمهور القراء :" إن المصَّدقين " بشد الصاد المفتوحة على معنى المتصدقين، وفي مصحف أبيّ بن كعب :" إن المتصدقين "، فهذا يؤيد هذه القراءة، وأيضاً فيجيء قوله تعالى :﴿ وأقرضوا الله قرضاً حسناً ﴾ ملائماً في الكلام للصدقة. وقرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم " إن المصَدقين " بتخفيف الصاد على معنى : إن الذين صدقوا رسول الله فيما بلغ عن الله وآمنوا به، ويؤيد هذه القراءة أنها أكثر تناولاً، لأن كثيراً ممن لا يتصدق يعمه اللفظ في التصديق. ثم إن تقييدهم بقوله :﴿ وأقرضوا ﴾ يرد مقصد القراءتين قريباً بعضه من بعض.