وعن عليّ رضي الله عنه قال لعمّار : لا تحزن على الدنيا فإن الدنيا ستة أشياء : مأكول ومشروب وملبوس ومشموم ومركوب ومنكوح ؛ فأحسن طعامها العسل وهو بزقة ذبابة، وأكثر شرابها الماء ويستوي فيه جميع الحيوان، وأفضل ملبوسها الديباج وهو نسج دودة، وأفضل المشموم المِسك وهو دم فأرة، وأفضل المركوب الفرس وعليها يقتل الرجال، وأما المنكوح فالنساء وهو مبال في مبال ؛ والله إن المرأة لتزين أحسنها يراد به أقبحها.
ثم ضرب الله تعالى لها مثلاً بالزرع في غيث فقال :﴿ كَمَثَلِ غَيْثٍ ﴾ أي مطر ﴿ أَعْجَبَ الكفار نَبَاتُهُ ﴾ الكفّار هنا : الزرّاع لأنهم يغطّون البذر.
والمعنى أن الحياة الدنيا كالزرع يعجب الناظرين إليه لخضرته بكثرة الأمطار، ثم لا يلبث أن يصير هشِيماً كأن لم يكن، وإذا أعجب الزراع فهو غاية ما يستحسن.
وقد مضى معنى هذا المثل في "يونس" و"الكهف".
وقيل : الكفّار هنا الكافرون بالله عز وجل ؛ لأنهم أشد إعجاباً بزينة الدنيا من المؤمنين.
وهذا قول حسن ؛ فإن أصل الإعجاب لهم وفيهم، ومنهم يظهر ذلك، وهو التعظيم للدنيا وما فيها.
وفي الموحدين من ذلك فروع تحدث من شهواتهم، وتتقلل عندهم وتدِق إذا ذكروا الآخرة.
وموضع الكاف رفع على الصفة.
﴿ ثُمَّ يَهِيجُ ﴾ أن يجفّ بعد خضرته ﴿ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ﴾ أي متغيراً عما كان عليه من النضرة.
﴿ ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً ﴾ أي فُتاتاً وتِبْناً فيذهب بعد حسنه، كذلك دنيا الكافر.
﴿ وَفِي الآخرة عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾ أي للكافرين.
والوقف عليه حسن، ويبتدىء ﴿ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ الله وَرِضْوَانٌ ﴾ أي للمؤمنين.
وقال الفراء :﴿ وَفِي الآخرة عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ ﴾ تقديره إما عذاب شديد وإما مغفرة، فلا يوقف على "شَدِيدٌ".
﴿ وَمَا الحياة الدنيآ إِلاَّ مَتَاعُ الغرور ﴾ هذا تأكيد ما سبق ؛ أي تغر الكفار، فأما المؤمن فالدنيا له متاع بلاغ إلى الجنة.


الصفحة التالية
Icon