كما يؤثر الغيث في الأرض فتعود بعد إجدابها مخصبة، كذلك تعود القلوب النافرة مقبلة، يظهر فيها أثر الطاعات والخشوع.
وقرأ الجمهور :﴿ المصّدّقين والمصّدّقات ﴾، بشدّ صاديهما ؛ وابن كثير وأبو بكر والمفضل وأبان وأبو عمرو في رواية هارون : بخفهما ؛ وأبيّ : بتاء قبل الصاد فيهما، فهذه وقراءة الجمهور من الصدقة، والخف من التصديق، صدّقوا رسوله الله ( ﷺ ) فيما بلغ عن الله تعالى.
قال الزمخشري : فإن قلت : علام عطف قوله :﴿ وأقرضوا ﴾ ؟ قلت : على معنى الفعل في المصدّقين، لأن اللام بمعنى الذين، واسم الفاعل بمعنى اصدّقوا، كأنه قيل : إن الذين اصدقوا وأقرضوا. انتهى.
واتبع في ذلك أبا علي الفارسي، ولا يصح أن يكون معطوفاً على المصدقين، لأن المعطوف على الصلة صلة، وقد فصل بينهما بمعطوف، وهو قوله :﴿ والمصدقات ﴾.
ولا يصح أيضاً أن يكون معطوفاً على صلة أل في المصدقات لاختلاف الضمائر، إذ ضمير المتصدّقات مؤنث، وضمير وأقرضوا مذكر، فيتخرج هنا على حذف الموصول لدلالة ما قبله عليه، لأنه قيل : والذين أقرضوا، فيكون مثل قوله :
فمن يهجو رسول الله منكم...
ويمدحه وينصره سواه
يريد : ومن يمدحه، وصديق من أبنية المبالغة.
قال الزجاج : ولا يكون فيما أحفظ إلا من ثلاثي.
وقيل : يجيء من غير الثلاثي كمسيك، وليس بشيء، لأنه يقال : مسك وأمسك، فمسيك من مسك.
﴿ والشهداء ﴾ : الظاهر أنه مبتدأ خبره ما بعده، فيقف على الصديقون، وإن شئت فهو من عطف الجمل، وهذا قول ابن عباس ومسروق والضحاك.
إن الكلام تام في قوله :﴿ الصديقون ﴾، واختلف هؤلاء، فبعض قال : الشهداء هم الأنبياء، يشهدون للمؤمنين بالصدّيقية لقوله :﴿ فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ﴾ الآية ؛ وبعض قال : هم الشهداء في سبيل الله تعالى، استأنف الخبر عنهم، فكأنه جعلهم صنفاً مذكوراً وحده لعظم أجرهم.