ثم أمر سبحانه المؤمنين بالرسل المتقدّمين بالتقوى والإيمان بمحمد ﷺ، فقال :﴿ ياأيها الذين ءامَنُواْ اتقوا الله ﴾ بترك ما نهاكم عنه ﴿ وآمنوا برسوله ﴾ محمد ﷺ ﴿ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ ﴾ أي : نصيبين من رحمته بسبب إيمانكم برسوله بعد إيمانكم بمن قبله من الرسل، وأصل الكفل : الحظ والنصيب، وقد تقدّم الكلام على تفسيره في سورة النساء ﴿ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ﴾ يعني : على الصراط كما قال :﴿ نُورُهُمْ يسعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ﴾ [ التحريم : ٨ ] وقيل : المعنى ويجعل لكم سبيلاً واضحاً في الدين تهتدون به ﴿ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾ ما سلف من ذنوبكم ﴿ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ أي : بليغ المغفرة والرحمة ﴿ لّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكتاب ﴾ اللام متعلقة بما تقدّم من الأمر بالإيمان والتقوى، والتقدير : اتقوا وآمنوا يؤتكم كذا وكذا ؛ ليعلم الذين لم يتقوا ولا آمنوا من أهل الكتاب ﴿ أَن لا يَقْدِرُونَ على شَىْء مّن فَضْلِ الله ﴾ و " لا " في قوله :﴿ لّئَلاَّ ﴾ زائدة للتوكيد، قاله الفراء، والأخفش، وغيرهما، و " أن " في قوله :﴿ أَن لا يَقْدِرُونَ ﴾ هي المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير شأن محذوف، وخبرها ما بعدها، والجملة في محل نصب على أنها مفعول يعلم، والمعنى : ليعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على أن ينالوا شيئًا من فضل الله الذي تفضل به على من آمن بمحمد، ولا يقدرون على دفع ذلك الفضل الذي تفضل الله به على المستحقين له، وجملة :﴿ وَأَنَّ الفضل بِيَدِ الله ﴾ معطوفة على الجملة التي قبلها، أي : ليعلموا أنهم لا يقدرون، وليعلموا أن الفضل بيد الله سبحانه، وقوله :﴿ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء ﴾ خبر ثان لأنّ، أو هو الخبر، والجارّ والمجرور في محل نصب على الحال ﴿ والله ذُو الفضل العظيم ﴾ هذه الجملة مقرّرة لمضمون ما قبلها، والمراد بالفضل هنا : ما