إذن فالأكل عند المؤمن هو لمقومات الحياة وكوقود للحركة، ولكن الكافر يأخذ الأكل كأنه متعة ذاتية. والحق يقول :" أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار" يعني كما أرادوا امتلاء بطونهم شهوة ولذة، فكذلك يجعل الله العذاب لهم من جنس ما فعلوه بالثمن القليل الذي أخذوه، فهم أخذوا ليملأوا بطونهم من خبيث ما أخذوا وسيملأ الله بطونهم ناراً، جزاء وفاقا لما فعلوا، وهذا لون من العقاب المادي يتبعه لون آخر من العقاب هو " ولا يكلمهم الله" أي أن الحق ينصرف عنهم يوم لا أنس للخلق إلا بوجه الحق. ونحن حين نقرأ كلمة " لا يكلم فلان فلاناً" نستشعر منها الغضب ؛ لأن الكلام في البشر هو وسيلة الأنس، فإذا ما امتنع إنسان عن كلام إنسان، فكأنه يبغضه ويكرهه. إذن " لا يكلمهم الله" معناها أنه يبغضهم، وحسبك بصدود الله عن خلقه عقابا وعذابا. لقد والاهم بالنعمة وبعد ذلك يصد عنهم. ويقول قائل : كيف نقرأ هنا أن الحق لا يكلمهم، وهو سبحانه القائل :
قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ (١٠٦) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (١٠٧) قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (١٠٨)
(سورة المؤمنون)
نقول : صحيح أنه سبحانه يقول لهم :" لا تكلمون" ولكن الكلام حين ينفي من الله فالمقصود به هو كلام الحنان وكلام الرحمة وكلام الإيناس واللطف، أما كلام العقوبة فهو اللعنة. إذن " لا يكلمهم الله" أي لا يكلمهم الحق وصلا للأنس. ولذلك حين يؤنس الله بعض خلقه يطيل معهم الكلام. ومثال ذلك عندما جاء موسى لميقات ربه، ماذا قال الله له ؟ قال عز وجل :
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (١٧)
(سورة طه)