أما قوله :﴿لَفِى شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ ففيه وجوه أحدها : أن هؤلاء الذين يختلفون في كيفية تحريف التوراة والإنجيل لأجل عداوتك هم فيما بينهم في شقاق بعيد ومنازعة شديدة فلا ينبغي أن تلتفت إلى اتفاقهم على العداوة فإنه ليس فيما بينهم مؤالفة وموافقة وثانيها : كأنه تعالى يقول لمحمد هؤلاء وإن اختلفوا فيما بينهم فإنهم كالمتفقين على عداوتك وغاية المشاقة لك فلهذا خصهم الله بذلك الوعيد وثالثها : أن هؤلاء الذين اتفقوا على أصل التحريف واختلفوا في كيفية التحريف فإن كل واحد منهم يكذب صاحبه ويشاقه وينازعه، وإذا كان كذلك فقد اعترفوا بكذبهم بقولهم فلا يكون قدحهم فيك قادحاً فيك ألبتة، والله أعلم.
أهـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٥ صـ ٣٠﴾
فائدة
ووصف الشقاق بالبعيد مجاز عقلي أي بعيد صاحبُه عن الوفاق كقوله تعالى :﴿ولا يزالون مختلفين﴾ [هود : ١١٨]. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ١٢٧﴾
وقال أبو حيان :
ووصف الشقاق بالبعد، إما لكونه بعيداً عن الحق، أو لكونه بعيداً عن الألفة. أو كنى به عن الطول، أي في معاداة طويلة لا تنقطع. وهذا الاختلاف هو سبب اعتقاد كل طائفة أن كتابها هو الحق، وأن غيره افتراء، وقد كذبوا في ذلك. كتب الله يشبه بعضها بعضاً، ويصدق بعضها بعضاً. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ١ صـ ٦٧٠﴾
وقال ابن عرفة :
هم كلهم في شق واحد بعيد عن شق الحق، ولا يؤخذ منه أن المصيب واحد لأنّ المراد المختلفين في الكتب/ من أهل البدع وكلهم على الباطل. أ هـ ﴿تفسير ابن عرفة حـ ٢ صـ ٥١٤﴾
ومن لطائف الإمام القشيرى فى الآية
إن الذين آثروا الغَيْرَ على الغيب، والخَلْقَ على الحقِّ، والنَفْسَ على الأُنْسِ، ما أقسى قلوبهم، وما أوقح محبوبهم ومطلوبهم، وما أخس قدرهم، وما أفضح لذوي الأبصار أمرهم! ذلك بأن الله نَزَّل الكتاب بالحق، وأمضى القضاء والحكم فيه بالصدق، وأوصلهم إلى مَالَهُ أَهَّلَهُمْ، وأثْبَتَهُم على الوجه الذي عليه جَبَلَهُمْ. أ هـ ﴿لطائف الإشارات حـ ١ صـ ١٤٨﴾