عود إلى محاجَّة أهل الكتاب لاَحِقٌ بقوله تعالى :﴿إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى﴾ [البقرة : ١٥٩] بمناسبة قوله :﴿إنما حرم عليكم الميتة والدم﴾ [البقرة : ١٧٣] تحذيراً للمسلمين مما أحدثه اليهود في دينهم من تحريم بعض ما أحل الله لهم وتحليل بعض ما حرم الله عليهم ؛ لأنهم كانوا إذا أرادوا التوسيع والتضييق تركوا أن يَقْرؤا من كتابهم ما غَيَّروا العمل بأحكامه كما قال تعالى :﴿تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً﴾ [الأنعام : ٩١] كما فعلوا في ترك قراءة حكم رجم الزاني في التوراة حين دعا النبي ﷺ أحد اليهود ليقرأ ذلك الحكم من التوراة فوضع اليهودي يده على الكلام الوارد في ذلك كما أخرجه البخاري في كتاب الحدود، ولجريانه على مناسبة إباحة ما أبيح من المأكولات جاء قوله هنا ﴿أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار﴾ لقصد المشاكلة.
وفي هذا تهيئة للتخلص إلى ابتداء شرائع الإسلام ؛ فإن هذا الكلام فيه إبطال لما شرعه أهل الكتاب في دينهم فكون التخلص ملوناً بلوني الغَرض السابق والغرض اللاحق. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ١٢٢﴾
قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في رؤساء اليهود ؛ كعب بن الأشرف، وكعب بن أسد، ومالك بن الصيف، وحيي بن أخطب، وأبي ياسر بن أخطب، كانوا يأخذون من أتباعهم الهدايا، فلما بعث محمد عليه السلام خافوا انقطاع تلك المنافع، فكتموا أمر محمد عليه السلام وأمر شرائعه فنزلت هذه الآية. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٥ صـ ٢٣﴾