قال تعالى "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا" بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم "إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ
الرَّسُولِ"
وهذا مما يؤيد ويؤكد أن المراد بهؤلاء المؤمنين، المنافقون لا المخلصون لأنهم لا يتصور عنهم مشاورة بمعصية الرّسول، وإنما سماهم مؤمنين بحسب الظّاهر وبمقتضى زعمهم، راجع الآية ١٥٩ من آل عمران المارة وما ترشدك اليه من المواضع في بحث الشّورى والمشاورة.
والنّهي عام يدخل فيه المنافق دخولا أوليا وغيره بالتبعية، كما أن قوله تعالى "وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ" (٩) يوم القيامة فيحاسبكم على ما وقع منكم عام أيضا.
قال تعالى "إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ" إذا كانت بالسوء وإنها لا تضر المؤمن وانه يسوق اتباعه على فعلها "لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا" لأنهم يظنون أنها فيهم أو فيمن يتعلق بهم، ولذلك تغضبهم "وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ" أي نجوى الشّيطان واتباعه المتناجين لا تضر المؤمنين "شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ" لأن الضّر والنّفع منه وبيده أمرهما "وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ" (١٠) لا على غيره، وعليهم ألّا يلتفتوا إلى نجواهم، ولا يلقوا لها بالا، لأن من يتوكل على اللّه لا يخيّب أمله ولا يبطل سعيه.
واعلم أن النّجوى تطلق غالبا على الشّر والمشاورة على الخير ويجوز استعمال كلّ منهما موضع الآخر، وهي من سوء أدب المجالسة التي نهى اللّه عنها وأدب عباده بها، ولذلك لا ينبغي أن يتشاور اثنان بحضرة واحد أو يتكلما بلغة لا يعرفها أو يرامزان بأي نوع من أنواع الإشارة، لأن هذا مما يقلقه ويغيظه ويسلب راحته، ولذلك نهى الشّارع عنه.
روى البخاري ومسلم عن ابن عمر أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال إذا كانوا ثلاثة فلا يتنج اثنان دون الثالث.