" قال عليه الصلاة والسلام في خطبته الكبرى وهي آخر خطبة خطبها أخرجها الحارث بن أبي أسامة : رقي المنبر وقال :" أيها الناس ادنو وأوسعوا لمن خلقكم " - ثلاث مرات، فدنا الناس وانضم بعضهم إلى بعض، التفتوا فلم يروا أحداً، فقال رجل منهم بعد الثالثة : لمن نوسع يا رسول الله أللملائكة؟ فقال :" لا إنهم إذ كانوا معكم لم يكونوا بين أيديكم ولا من خلفكم ولكن عن أيمانكم وعن شمائلكم " وعلى ذلك فليسوا في مكان الأيمان هنا والشمائل بل في المكان من ذلك، فالله جل جلاله أعلى وأجل وأنزه مكانة وأكرم استواء - انتهى.
ولما كان الإنسان نساءً ولا سيما إن تمادى به الزمان، قال عاطفاً على ما تقديره، فيضبط عليهم حركاتهم وسكناتهم من أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، ويحفظها على طول الزمان كما كان حافظاً لها قبل خلقها ثم أزل الأزل ﴿ثم ينبئهم﴾ أي يخبر أصحابها إخباراً عظيماً ﴿بما عملوا﴾ دقيقة وجليلة ﴿يوم القيامة﴾ الذي هو المراد الأعظم من الوجود لإظهار الصفات العلى فيه أتم إظهار.
ولما أخبر تعالى بهذا الأمر العظيم، علله بما هو دليل على الشهادة فقال مؤكداً لما لهم من الإنكار قولاً أو فعلاً بالاشتراك الذي يلزم منه النقص ﴿إن الله﴾ أي الذي له الكمال كله.
ولما كان المقام للإبلاغ في إحاطة العلم، قدم الجار كما مضت الإشارة إليه غير مرة قال :﴿بكل شيء﴾ مما ذكر وغيره ﴿عليم﴾ أي بالغ العلم فهو على كل شيء قدير، فهو على كل شيء شهيد، لأن نسبة ذاته الأقدس إلى الأشياء كلها على حد سواء لا فرق أصلاً بين شيء وآخر، قال القشيري : معية الحق سبحانه وإن كانت على العموم بالعلم والرؤية وعلى الخصوص بالفضل والنصرة، فلهذا الخطاب في قلوب أهل المعرفة أثر عظيم إلى أن ينتهي الأمر بهم إلى التأويل، فللوله والهيمان في خمار هذا عين رغد. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٧ صـ ٤٨٨ ـ ٤٩١﴾