وقال ابن عطية فى الآيات السابقة :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾
هذه الآيات نزلت في منافقين وقوم من اليهود كانوا في المدينة يتمرسون برسول الله ﷺ والمؤمنين، ويتربصون بهم الدوائر، ويدبرون عليهم ويتمنون فيهم المكروه ويتناجون بذلك، فنزلت هذه الآيات إلى آخر أمر النجوى فيهم، والمحادة : أن يعطي الإنسان صاحبه حد قوله أو سلاحه وسائر أفعاله. وقال قوم : هو أن يكون الإنسان في حد، وصاحبه في حد مخالف. و: كبت الرجل : إذا بقي خزيان يبصر ما يكره ولا يقدر على دفعه. وقال قوم منهم أبو عبيدة أصله كبدوا، أي أصابهم داء في أكبادهم، فأبدلت الدال تاء.
قال القاضي أبو محمد : وهذا غير قوي.
و: ﴿ الذين من قبلهم ﴾ سابقو الأمم الماضية الذين حادوا الرسل قديماً.
وقوله تعالى :﴿ وقد أنزلنا آيات بينات ﴾ يريد في هذا القرآن، فليس هؤلاء المنافقون بأعذر من المتقدمين.
وقوله تعالى :﴿ يوم يبعثهم الله ﴾ العامل في :﴿ يوم ﴾ قوله :﴿ مهين ﴾، ويحتمل أن يكون فعلاً مضمراً تقديره : اذكر. وقوله :﴿ ونسوه ﴾ نسيان على بابه، لأن الكافر لا يحفظ تفاصيل أعماله ولما أخبر تعالى أنه ﴿ على كل شيء شهيد ﴾ وقف محمد عليه السلام توقيفاً تشاركه فيه أمته.
وقوله تعالى :﴿ من نجوى ثلاثة ﴾، يحتمل ﴿ من نجوى ﴾ أن يكون مصدراً مضافاً إلى ﴿ ثلاثة ﴾، كأنه قال : من سرار ثلاثة، ويحتمل ﴿ نجوى ﴾ أن يكون المراد به جمعاً من الناس مسمى بالمصدر كما قال في آية أخرى :﴿ وإذ هم نجوى ﴾ [ الإسراء : ٤٧ ] أي أولو نجوى، فيكون قوله تعالى :﴿ ثلاثة ﴾ على هذا بدلاً ﴿ من نجوى ﴾ وفي هذا نظر.
وقوله تعالى :﴿ إلا هو رابعهم ﴾ أي بعلمه وإحاطته ومقدرته.