فصل
قال الفخر :
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾
كان المنافقون يتولون اليهود وهم الذين غضب الله عليهم في قوله :﴿مَن لَّعَنَهُ الله وَغَضِبَ عَلَيْهِ﴾ [ المائدة : ٦٠ ] وينقلون إليهم أسرار المؤمنين :﴿مَّا هُم مّنكُمْ﴾ أيها المسلمون ولا من اليهود ﴿وَيَحْلِفُونَ عَلَى الكذب﴾ والمراد من هذا الكذب إما ادعاؤهم كونهم مسلمين، وإما أنهم كانوا يشتمون الله ورسوله ويكيدون المسلمين فإذا قيل لهم : إنكم فعلتم ذلك خافوا على أنفسهم من القتل، فيحلفون أنا ما قلنا ذلك وما فعلناه، فهذا هو الكذب الذي يحلفون عليه.
واعلم أن هذه الآية تدل على فساد قول الجاحظ إن الخبر الذي يكون مخالفاً للمخبر عنه إنما يكون كذباً لو علم المخبر كون الخبر مخالفاً للمخبر عنه، وذلك لأن لو كان الأمر على ما ذهب إليه لكان قوله :﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ تكراراً غير مقيد، يروى أن عبد الله بن نبتل المنافق كان يجالس رسول الله ﷺ ثم يرفع حديثه إلى اليهود، فبينا رسول الله ﷺ في حجرته إذ قال : يدخل عليكم رجل ينظر بعين شيطان أو بعيني شيطان فدخل رجل عيناه زرقاوان فقال له : لم تسبني فجعل يحلف فنزل قوله :﴿وَيَحْلِفُونَ عَلَى الكذب وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾.
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٥)
والمراد منه عند بعض المحققين عذاب القبر.
اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (١٦)
وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :