وذلك في كل عصر، ومجلس النبي ـ ﷺ ـ أولى بذلك، وقراءة عاصم بالجمع موضحة لإرادة الجنس ﴿فافسحوا﴾ أي وسعوا فيه عن سعة صدر ﴿يفسح الله﴾ أي الذي له الأمر كله والعظمة الكاملة ﴿لكم﴾ في كل ما تكرهون ضيقه من الدارين.
ولما كانت التوسعة يكفي فيها التزحزح مع دوام الجلوس تارة وأخرى تدعو الحاجة فيها إلى القيام للتحول من مكان إلى آخر قال :﴿وإذا قيل﴾ أيّ من قائل كان - كما مضى - إذا كان يريد الإصلاح والخير ﴿انشزوا﴾ أي ارتفعوا وانهضوا إلى الموضع الذي تؤمرون به أو يقتضيه الحال للتوسعة أو غيرها من الأوامر كالصلاة أو الجهاد وغيرهما ﴿فانشزوا﴾ أي فارتفعوا وانهضوا ﴿يرفع الله﴾ الذي له جميع صفات الكمال، عبر بالجلالة وأعاد إظهارها موضع الضمير ترغيباً في الامتثال لما للنفس من الشح بما يخالف المألوف ﴿الذين آمنوا﴾ وإن كانوا غير علماء ﴿منكم﴾ أيها المأمورون بالتفسح السامعون للأوامر، المبادرون إليها في الدنيا والآخرة بالنصر وحسن الذكر بالتمكن في وصف الإيمان الموجب لعلو الشأن بطاعتهم لرسوله ـ ﷺ ـ في سعة صدورهم بتوسعتهم لإخوانهم.
ولما كان المؤمن قد لا يكون من المشهورين بالعلم قال :﴿والذين﴾ ولما كان العلم في نفسه كافياً في الإعلاء من غير نظر إلى مؤت معين، بنى للمفعول قوله :﴿أوتوا العلم﴾ أي وهم مؤمنون ﴿درجات﴾ درجة بامتثال الأمر وأخرى بالإيمان، ودرجة بفضل علمهم وسابقتهم - روى الطبراني وأبو نعيم في كتاب العلم عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أن النبي ـ ﷺ ـ قال :" من جاءه أجله وهو يطلب العلم ليحيي به الإسلام لم يفضله النبيون إلا بدرجة واحدة "، رواه الدارمي وابن السني في رياضة المتعلمين عن الحسن غير منسوب، قال شيخنا : فقيل : هو البصري فيكون مرسلاً، وعن الزبير : العلم ذكر فلا يحبه إلا ذكور الرجال.