﴿مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ﴾ [ آل عمران : ١٢١ ] وكان الرجل يأتي الصف فيقول تفسحوا، فيأبون لحرصهم على الشهادة والقول الثالث : أن المراد جميع المجالس والمجامع، قال القاضي : والأقرب أن المراد، منه مجلس الرسول عليه السلام، لأنه تعالى ذكر المجلس على وجه يقتضي كونه معهوداً، والمعهود في زمان نزول الآية ليس إلا مجلس الرسول ﷺ الذي يعظم التنافس عليه، ومعلوم أن للقرب منه مزية عظيمة لما فيه من سماع حديثه، ولما فيه من المنزلة، ولذلك قال عليه السلام :" ليليني منكم أولو الأحلام والنهى " ولذلك كان يقدم الأفاضل من أصحابه، وكانوا لكثرتهم يتضايقون، فأمروا بالتفسح إذا أمكن، لأن ذلك أدخل في التحبب، وفي الاشتراك في سماع مالا بد منه في الدين، وإذا صح ذلك في مجلسه، فحال الجهاد ينبغي أن يكون مثله، بل ربما كان أولى، لأن الشديد البأس قد يكون متأخراً عن الصف الأول، والحاجة إلى تقدمه ماسة فلا بد من التفسح، ثم يقاس على هذا سائر مجالس العلم والذكر.
أما قوله تعالى :﴿يَفْسَحِ الله لَكُمْ﴾ فهو مطلق في كل ما يطلب الناس الفسحة فيه من المكان والرزق والصدر والقبر والجنة.
واعلم أن هذه الآية دلت على أن كل من وسع على عباد الله أبواب الخير والراحة، وسع الله عليه خيرات الدنيا والآخرة، ولا ينبغي للعاقل أن يقيد الآية بالتفسح في المجلس، بل المراد منه إيصال الخير إلى المسلم، وإدخال السرور في قلبه، ولذلك قال عليه السلام :" لا يزال الله في عون العبد ما زال العبد في عون أخيه المسلم "
ثم قال تعالى :﴿وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :