ظاهر الآية يدل على أن تقديم الصدقة كان واجباً، لأن الأمر للوجوب، ويتأكد ذلك بقوله في آخر الآية :﴿فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ فإن ذلك لا يقال إلا فيما بفقده يزول وجوبه، ومنهم من قال : إن ذلك ما كان واجباً، بل كان مندوباً، واحتج عليه بوجهين الأول : أنه تعالى قال :﴿ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ﴾ وهذا إنما يستعمل في التطوع لا في الفرض والثاني : أنه لو كان ذلك واجباً لما أزيل وجوبه بكلام متصل به، وهو قوله :﴿أأشفقتم أَن تُقَدّمُواْ﴾ [ المجادلة : ١٣ ] إلى آخر الآية والجواب عن الأول : أن المندوب كما يوصف بأنه خير وأطهر، فالواجب أيضاً يوصف بذلك والجواب عن الثاني : أنه لا يلزم من كون الآيتين متصلتين في التلاوة، كونهما متصلتين في النزول، وهذا كما قلنا في الآية الدالة على وجوب الاعتداد بأربعة أشهر وعشراً، إنها ناسخة للاعتداد بحول، وإن كان الناسخ متقدماً في التلاوة على المنسوخ، ثم اختلفوا في مقدار تأخر الناسخ عن المنسوخ، فقال الكلبي : ما بقي ذلك التكليف إلا ساعة من النهار ثم نسخ، وقال مقاتل بن حيان : بقي ذلك التكليف عشرة أيام ثم نسخ.
المسألة الثالثة :
روي عن علي عليه السلام أنه قال : إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي، كان لي دينار فاشتريت به عشرة دراهم، فكلما ناجيت رسول الله ﷺ قدمت بين يدي نجواي درهماً، ثم نسخت فلم يعمل بها أحد، وروي عن ابن جريج والكلبي وعطاء عن ابن عباس : أنهم نهوا عن المناجاة حتى يتصدقوا فلم يناجه أحد إلا علي عليه السلام تصدق بدينار، ثم نزلت الرخصة.