قال القاضي أبو محمد : وهذا التأويل يجري مع قوله تعالى :﴿ مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ﴾ [ النساء : ١٤٣ ]، ومع قوله عليه السلام :" مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين الغنمين لأنه مع المؤمنين بقوله ومع الكافرين بقلبه "، ولكن هذه الآية تحتمل تأويلاً آخر وهو أن يكون قوله ﴿ ما هم ﴾ يريد به اليهود، وقوله :﴿ ولا منهم ﴾ يريد به المنافقين فيجيء فعل المنافقين على هذا التأويل أحسن لأنهم تولوا قوماً مغضوباً عليهم ليسوا من أنفسهم فيلزمهم ذمامهم ولا من القوم المحقين فتكون الموالاة صواباً. وقوله ﴿ يحلفون ﴾ يعني المنافقين لأنهم كانوا إذا وقفوا على ما يأتون به من بغض النبي ﷺ وشتمه وموالاة عدوه حلفوا أنهم لا يفعلون ذلك واستسهلوا الحنث، ورويت من هذا نوازل كثيرة اختصرتها إيجازاً وإذا تتبعت في المصنفات وجدت كقول ابن أبي لئن رجعنا إلى المدينة وحلفه على أنه لم يقل وغير ذلك، والعذاب الشديد هو عذاب الآخرة. وقرأ جمهور الناس :" أيمانهم " جمع يمين. وقرأ الحسن بن أبي الحسن :" إيمانهم "، أي يظهرونه من الإيمان والجنة : ما يتستر به ويتقي المحذور، ومنه المجن : وهو الترس : وقوله ﴿ فصدوا عن سبيل الله ﴾ يحتمل أن يكون الفعل غير متعد كما تقول صد زيد، أي صدوا هم أنفسهم عن سبيل الله والإيمان برسوله، ويحتمل أن يكون متعدياً أي صدوا غيرهم من الناس عن الإيمان ممن اقتدى بهم وجرى في مضمارهم، ويحتمل أن يكون المعنى ﴿ فصدوا ﴾ المسلمين عن قتلهم، وتلك ﴿ سبيل الله ﴾ فيهم لكن ما أظهروه منا لإيمان صدوا به المسلمين عن ذلك، والمهين : المذل من الهوان.
لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (١٧)